الرافع.
وبتعبير آخر : إن طبيعة المتيقن إذا كانت مقتضية للبقاء والاستمرار فإنّ اتفاق وجودها يعني استمرارها وهذا يقتضي أنّ الشك في الاستمرار بعد العلم بالوجود والحدوث شك ـ بنحو العناية ـ في أصل الوجود والحدوث ؛ وذلك لأن اليقين بالحدوث في مثل هذه الطبايع يقين بالاستمرار عناية ، فلو وقع الشك في الاستمرار فكأنّه شك في أصل الحدوث ، وهذا هو معنى اتحاد متعلقي الشك واليقين عناية ، وبهذا يكون رفع اليد عن اليقين السابق نقضا لليقين بالشك وأدلة الاستصحاب تنهى عن ذلك.
أما لو كانت طبيعة المتيقن غير مقتضية للبقاء بل إنّها تزول بنفسها بعد الحدوث حتى لو لم يطرأ عليها ما يوجب إعدام وجودها ففي مثل هذه الحالة لا يكون الشك في البقاء مساوقا عرفا للشك في الحدوث المتيقن ؛ وذلك لتغاير متعلّقيهما حتى بنظر العرف ، ومن هنا لا يكون عدم الاعتناء بذلك اليقين السابق من نقض اليقين بالشك.
والجواب عن هذا التقريب : إنّنا وإن كنّا نسلّم أن إسناد نقض اليقين إلى الشك لا يكون إلاّ في حالة يكون فيها متعلّق اليقين ومتعلّق الشك واحدا إلاّ أنّنا قلنا إنّ المصحح للإسناد هو إلغاء الزمن عن متعلّقي اليقين والشك ، وبهذا الإلغاء يكون المتعلّق للحالتين واحدا ، فإذا صحّ هذا الإلغاء في حالة يكون فيها المتيقن مما له البقاء والاستمرار فإنّه يصحّ في حالات عدم اقتضاء المتيقن للبقاء والاستمرار.
وبهذا اتّضح سقوط كلا التقريبين عن الصلاحيّة لصرف إطلاق أدلة الاستصحاب عن حالات الشك في المقتضي.