الواضح أنّه لا علم لنا بالحدوث الثاني ، والذي نعلم بحدوثه قد انصرم قطعا فعندنا شك بالحدوث الثاني ويقين بانقطاع الحدوث الأول وفي مثل هذه الحالة كيف يجري الاستصحاب؟!
إلا أنّه لا محصل لهذا الإشكال ؛ وذلك لأنّ الخطابات الشرعية ليست مبنيّة على المداقة العقليّة ، ولذلك لا بدّ من فهم الخطابات الشرعيّة بالشكل الذي يتناسب مع المتفاهم العرفي ، ومن هنا يمكن القول بشمول أدلة الاستصحاب لهذا المورد ؛ وذلك لأنّ العرف يعتبر هذه الوجودات المتعاقبة وجودا واحدا استمراريا فحينما يعلم بأصل الوجود ثم يشك في الانقطاع فإنّ هذا الشك يساوق الشك في البقاء والاستمرار لذلك الوجود ، فإنّ ذلك الوجود المعلوم وإن كان بحسب الدقة العقليّة قد انصرم إلا أنّه وبحسب النظرة العرفيّة لا يحرز انقطاعه ؛ وذلك لأن الوحدة الاتصالية بين الوجودات المتعاقبة أوجبت اعتبار تلك الوجودات وجودا واحدا ، وإذا كان كذلك فالشك حينئذ لا يكون شكا في الحدوث الجديد وإنّما هو شك في بقاء ما هو معلوم الحدوث.
فحينما يعلم المكلّف بشروعه في الصلاة ـ والذي هو موضوع لحرمة القطع ـ ثم يقع الشك منه في البقاء على الصلاة فإن هذا الشك ليس شكا في الحدوث ؛ وذلك لأن الصلاة وإن كانت وجودات متعاقبة ووجود الثاني فيها منوط بتصرّم الأول إلاّ أنّ الوحدة الاتصالية بين وجودات الصلاة صيّرت من الصلاة وجودا واحدا ، وهذا ما أوجب اعتبار الشك في حدوث الجزء الأخير شكا في بقاء الصلاة ، ومن هنا أمكن جريان الاستصحاب.