الصالح لكثرة عبادته وشدة انقطاعه إلى ربه ، وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين (١) ، إذ لم يرَوا نظيراً له في الطاعة لله والاجتهاد في العبادة والتقوى ، فقد عبد ربه حتى بدت عليه سيماء المخلصين ، على ما وصف المأمون ، فاصفر وجهه ، وضعف بدنه ، وكلم السجود جبهته وأنفه (٢).
روي أنه عليهالسلام كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس ، وكان يدعو كثيراً فيقول : « اللهمّ إني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب » ، ويكرر ذلك (٣). وهذا مما ينبغي لكل واحد منا أن يعيشه لأن الإنسان يمر بعقبتين عندما يموت ، فقد يموت متعباً من ذنوبه ، مرهقاً من خطاياه ، قلقاً على مصيره ، وقد يموت تائباً مطمئناً فيعيش الراحة في نفسه ، ويتقبل الموت بسرور ، وأما العقبة الثانية فهي عند الحساب ، لأن الذي يحاسب عالم السر والنجوى ، لذلك فالإنسان يشعر بالخوف من الخسارة إلاّ أن يأتيه العفو وتدركه الرحمة والغفران من الله سبحانه.
وكان من دعائه : « عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك » ، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع (٤). وهو عليهالسلام هنا يتحدث لا عن ذنب ، ولكن عن تواضع لله سبحانه ، وعن استغفار لمعنى الإنسان ومعنى العبد في داخل ذاته المقدسة.
وذكر شقيق البلخي أنه يقوم في نصف الليل يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ،
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٢٣٥.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٨٨ / ١١.
(٣) الإرشاد ٢ : ٢٣١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٢ ، إعلام الورىٰ ٢ : ٢٦.
(٤) الإرشاد ٢ : ٢٣١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٢ ، إعلام الورىٰ ٢ : ٢٦.