من الله ومن المخلوق. فقال عليهالسلام : الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل ، وأما من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك ، لأنه لا يروّي ولا يهم ولا يتفكر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي من صفات الخلق ، فإرادة الله تعالى هي الفعل لا غير ذلك ، يقول له كن فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ، ولا همة ولا تفكر ، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف » (١).
وعن محمد بن إسحاق ، قال : «قال أبو الحسن عليهالسلام ليونس مولى علي بن يقطين : يا يونس ، لا تتكلم بالقدر. قال : إني لا أتكلم بالقدر ، ولكني أقول : لا يكون إلاّ ما أراد الله وشاء وقضى وقدر. فقال عليهالسلام : ليس هكذا أقول ، ولكني أقول : لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدر وقضى.
ثم قال : أتدري ما المشيئة ؟ فقال : لا ، فقال : همه بالشيء ، أو تدري ما أراد ؟ قال : لا ، قال : إتمامه على المشيئة. فقال : أو تدري ما قدر ؟ قال : لا ، قال : هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء. ثم قال : إن الله إذا شاء شيئاً أراده ، فإذا أراده قدره ، وإذا قدره قضاه ، وإذا قضاه أمضاه.
يا يونس ، إن القدرية لم يقولوا بقول الله : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ ) (٢) ولا قالوا بقول أهل الجنة : ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ ) (٣) ولا قالوا بقول أهل النار : ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ) (٤) ولا قالوا بقول إبليس : ( رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ) (٥) ولا قالوا بقول نوح : ( وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ
__________________
(١) التوحيد : ١٤٧ / ١٧.
(٢) سورة الإنسان : ٧٦ / ٣٠.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٤٣.
(٤) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٦.
(٥) سورة الحجر : ١٥ / ٣٩.