فسلم علي ببُهر (١) وقد تصبب عرقاً.
فقلت : أصلحك اللّه ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا! لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال؟! قال : فخلى عن الغلامين من يده ، ثم تساند ، وقال : لو جاءني واللّه الموت وأنا في هذه الحال ، جاءني وأنا في طاعة من طاعات اللّه ، أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي اللّه. فقلت : يرحمك اللّه ، أردت أن أعظك فوعظتني» (٢).
وكان عليهالسلام في مركبه مثالاً للتواضع ، فلا يمتطي الخيل الفارهة ، بل يفضل الحمار على البغل ، ويحمد اللّه الذي سخّره حين يستوي عليه ، عن عبد اللّه بن عطاء ، قال : «قال لي أبو جعفر عليهالسلام : قم فأسرج دابتين حماراً وبغلاً ، فأسرجت حماراً وبغلاً ، فقدمت إليه البغل ، ورأيت أنه أحبهما إليه ، فقال : من أمرك أن تقدم إلي هذا البغل؟ قلت : اخترته لك. قال : وأمرتك أنت تختار لي؟! ثم قال : إنّ أحبّ المطايا إلي الحمر. قال : فقدمت إليه الحمار ، وأمسكت له بالركاب فركب ، فقال : الحمد للّه الذي هدانا بالإسلام ، وعلمنا القرآن ، ومنّ علينا بمحمد صلىاللهعليهوآله ، والحمد للّه الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، والحمد للّه رب العالمين» (٣).
وكان يؤثر أصحابه بالركوب ، ويفضل أن يمشي على قدميه ، قال السيد
__________________
(١) البُهر : تتابع النفس.
(٢) الارشاد ٢ : ١٦١ ، الفصول المهمة : ١٩٥ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٢ ، شرح الأخبار ٣ : ٢٨٢ ، اعلام الورى ١ : ٥٠٧.
(٣) المحاسن ٢ : ٣٢٥ / ٤١ ، الكافي ٨ : ٢٧٦ / ٤١٧.