الجبر هو الاعتقاد بنسبة أفعال العباد إلى اللّه تعالى ، ويقول المجبرة : ليس لنا صنع ، أي لسنا مخيرين في أفعالنا التي نفعلها ، بل اننا مجبورون بإرادته ومشيئته تعالى ، فهم يعطلون أي دور للإنسان في أقواله وأفعاله ، وقد تبنّى الأمويون مقولة الجبر من أجل تثبيت أركان دولتهم ، بدعوى أن اللّه آتاهم الملك قدراً مقدراً ، فلا يجوز انتزاعه منهم ، ونشط الجبر في أحضان البلاط الأموي كعقيدة يتذرّعون بها لتبرّر ظلمهم ، وتنزيه ساحتهم مما ارتكبوه من مفاسد وموبقات ، مدّعين أنّها من قضاء اللّه وقدره ، وهم منها براء ، وإن كانت تجرى على أيديهم.
في مقابل القول بالجبر ، ظهر اتجاه منحرف آخر يدعو إلى القول بالاختيار ، أو التفويض المطلق ، وهؤلاء يرون أن اللّه سبحانه لا دخل له في أفعال العباد سوى أنّه خلقهم وأقدرهم ، ثمّ فوّض أمر أفعالهم إلى سلطانهم وإرادتهم ، ولا دخل لأي إرادة أو سلطان عليهم ، فنفوا كل أثر لمشيئة اللّه وإرادته.
وقد وقف الأمويون بوجه أصحاب هذه الفكرة الهدامة ، لأنّها تنقض ما جعلوه أساساً لأركان سلطانهم ، وهو القول بالجبر ، فأخذ عبد الملك بن مروان معبداً الجهني وعذّبه ثمّ قتله ، وقبض هشام على غيلان الدمشقي وقتله.
وقد طال معترك الكلام بين أصحاب الجبر والاختيار ، حتّى تصدّى الإمام الباقر والصادق عليهماالسلام لنقض المقولتين ، وهدوا الناس إلى مذهب وسط بين الجبر
__________________
الفرق بين الفرق / البغدادي : ٧٠ ، الأعلام ٤ : ١٩١ و ٥ : ٢٠٠ و ٧ : ٣٥١ و ٨ : ١٠.