قد يبدو هذا السؤال غريباً مع ما ذكرنا من أسماء الرجال الذين رووا العلم عن الإمام الباقر عليهالسلام ، وما ذكره الذين ترجموا للإمام عليهالسلام من أنه روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ، ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، وكبار أئمة الحديث ، ووصفهم الذهبي والسيوطي بالخلق أو الخلائق مما يدل على كثرتهم (١). ولكن ابن سعد في طبقاته يقول في ترجمة الباقر عليهالسلام : كان ثقة كثير العلم والحديث ، وليس يروي عنه من يحتج به (٢) ، وهل يعقل أنه لم يطلع على هذا اللفيف من رجالات الأمة بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم واطلع فقط على الضعفاء الذين رووا الحديث عنه عليهالسلام؟ فهلا يحتج بأمثال فطاحل العلم ابنه جعفر الصادق عليهالسلام وأخوه زيد ، وأعلام التابعين وأئمة العلم في عصره؟! فانظر أين وصلت العصبية بابن سعد في تجاهله مثل هذه الحقائق الدامغة ، فكان كمن أراد تغطية ضوء الشمس بغربال؟
الكتاب والسنة الأساسان المتينان لأي مدرسة علمية تتصدى لنشر علوم الإسلام ، والابتعاد عنهما يعني البناء على قاعدة هشّة ، لا تلبث أن تنزع عنها رداء الإسلام وهويته لتلحق بمدارس الهوى والضلال والانحراف.
من هنا يعتقد أئمة أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم من بعدهم اعتقاداً راسخاً بأن القرآن الكريم والسنة النبوية قولاً وفعلاً وتقريراً ، هما أصل التشريع ومصدره
__________________
(١) البداية والنهاية ٩ : ٣٣٨ ، سير أعلام النبلاء / الذهبي ٤ : ٤٠١ ، تذكرة الحفاظ / الذهبي ١ : ١٢٤ ، طبقات الحفاظ / السيوطي : ٥٦ ، روضة الواعظين : ٢٠٢.
(٢) الطبقات الكبرى ٥ : ٢٤٨.