وضع الإمام الباقر عليهالسلام يده على الاختلاق الذي مارسه الحكام في ساحة الحديث الشريف ، منبهاً إلى أن كثيراً من أحاديث الفضائل التي رويت في السلف من الولاة موضوع ، وإن كانت قد رويت عن الثقات بتقادم الأيام ، وهم يعتقدون صحتها ، قال عليهالسلام لبعض أصحابه وهو يذكر ما لقوا من ظلم قريش : «حتى صار الرجل الذي يُذكر بالخير ، ولعله يكون ورعا صدوقا ، يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض مَن قد سلف من الولاة ، ولم يخلق اللّه تعالى شيئا منها ، ولا كانت وقعت ، وهو يحسب أنّها حقّ لكثرة من رواها ممّن لم يُعرف بالكذب ولابقلة ورع» (١).
ومارس الإمام التصحيح لبعض السنن المنقولة على غير وجهها عن المعصومين ، ومنه ما رواه زرارة ، قال : «كنت عند أبي جعفر عليهالسلام وعنده رجل من الأنصار ، فمرت به جنازة ، فقام الأنصاري ولم يقم أبو جعفر عليهالسلام ، فقعدت معه ، ولم يزل الأنصاري قائماً حتى مضوا بها ، ثم جلس ، فقال له أبو جعفر عليهالسلام : ما أقامك؟ قال : رأيت الحسين بن علي عليهماالسلام يفعل ذلك. فقال أبو جعفر عليهالسلام : واللّه ما فعله الحسين عليهالسلام ، ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط. فقال الأنصاري : شككتني أصلحك اللّه ، قد كنت أظن أني رأيت» (٢).
خلّف الإمام الباقر عليهالسلام تراثاً حديثياً هائلاً يستوعب مختلف مجالات الأحكام والشرائع والتفسير وآداب السلوك والأخلاق ، وشتى فروع المعرفة ،
__________________
(١) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١١ : ٤٣.
(٢) الكافي ٣ : ١٩١ / ١ ، تهذيب الأحكام ١ : ٤٥٦ / ١٤٨٦.