المكان لجرّ المنفعة ، فما ترى في ذلك؟ قال : يا عبد اللّه ، إني لست آمرك بترك الدنيا ، بل آمرك بترك الذنوب ، فترك الدنيا فضيلة ، وترك الذنوب فريضة ، وأنت إلى إقامة الفريضة أحوج منك إلى اكتساب الفضيلة» (١).
حرص الإمام الباقر عليهالسلام على إسداء النصيحة لجميع المسلمين بما في ذلك بعض سلاطين بني مروان.
دخل عمر بن عبد العزيز المدينة وصاح مناديه : من كانت له مظلمة وظلامة فليحضر ، فأتاه أبو جعفر الباقر عليهالسلام ، فلما رآه استقبله وأقعده مقعده ، فقال عليهالسلام : «إنّما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرّهم ، وكم قوم ابتاعوا ما ضرّهم فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت ، فخرجوا من الدنيا ملومين ، لمّا لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة ، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذرهم ، فنحن واللّه حقيقون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي كنّا نغبطهم بها فنوافقهم فيها ، وننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوّف عليهم منها ، فنكفّ عنها.
فاتّقِ اللّه ، واجعل في نفسك اثنتين : اُنظر إلى ما تحبّ أن يكون معك إذا قدمت على ربّك فقدّمه بين يديك ، واُنظر إلى ما تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربّك فارمِه وراءك ، ولا ترغبنّ في سلعة بارت على من كان قبلك ، فترجو أن تجوز عنك ، وافتح الأبواب ، وسهل الحجاب ، وانصف المظلوم ، ورد الظالم.
ثلاثة من كُنّ فيه استكمل الإيمان باللّه : من إذا رضي لم يدخله رضاه في
__________________
(١) كفاية الأثر : ٢٥٠.