من هنا دعا الإمام الباقر عليهالسلام أتباعه إلى مقاطعة السلطة وتحريم التعاون مع رموزها الذين أمعنوا كثيراً في إقصاء أهل البيت عليهمالسلام عن ممارسة دورهم الرسالي ، ومارست ضدّهم شتّى أساليب الظلم والجور والقتل.
وهذا الموقف جاء في مقابل فتاوى فقهاء البلاط من المتزلّفين المتملّقين الذين يحاولون إضفاء الشرعية الزائفة على ممارسات حكام الجور ، يقول الإمام الباقر عليهالسلام : «إنّ اللّه قال : لأعذبنّ كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ، وإن كانت الرعية في أعمالها برّة تقية ، ولأعفونّ عن كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية إمام عادل من اللّه ، وإن كانت الرعية ظالمة مسيئة» (١).
وسعى الإمام الباقر عليهالسلام إلى تنبيه الأمّة على أن أي تعامل مع الحكام يعتبر تقويةً لظلمهم وجبروتهم ، ومشاركةً لهم في جناياتهم ، فحرّم التورّط في أعمال الظلمة ، ومعونتهم ولو لتمرير المعاش ، عن أبي بصير ، قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن أعمالهم فقال لي : يا أبا محمد ، لا ولا مَدّة قلم ، إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله» (٢).
وجعل ذلك بمثابة فريضة واجبة الأداء ، عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم ، قال : «دخلت على مولاي الباقر عليهالسلام وعنده أُناس من أصحابه ...فقلت : يا سيدي ، فما تقول في الدخول على السلطان؟ قال : لا أرى لك ذلك. قلت : فإنّي ربما سافرت الشام ، فأدخل على إبراهيم بن الوليد. قال : يا عبد الغفار ، إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء : محبّة الدنيا ، ونسيان الموت ، وقلّة الرضا بما قسم اللّه. قلت : يا ابن رسول اللّه ، فإنّي ذو عيلة ، وأتّجر إلى ذلك
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٨٦ / ٢.
(٢) الكافي ٥ : ١٠٦ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ / ٩١٨.