ووصل الأمر بالحجّاج الثقفي ـ طاغية الأُمَويين وعاملهم ـ إلى الاستخفاف بكتاب اللّه العظيم ، بل وإنكاره أيضاً! ، قال الأعمش : واللّه سمعت الحجّاج بن يوسف يقول : يا عجباً من عبد هذيل ـ يعني عبد اللّه بن مسعود ـ يزعم أنّه يقرأ قرآناً. أو قال : يزعم أنّ قرآنه من عند اللّه ، واللّه ما هو إلاّ رجز من رجز الأعراب ، واللّه لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه (١).
ورمى الحجّاج بمنجنيقه الكعبة المشرفة بكيزان النار حتى احترقت ستائرها ، وصارت رماداً ، فارتجز :
أما تراها ساطعاً غبارها |
|
واللّه فيما يزعمون جارها (٢) |
وبلغ الفسوق والعصيان بالحجّاج وغيره من ولاة بني أمية ، إلى حدّ التجاوز على مقام النبوة ، روي عن الجاحظ أنّه قال : خطب الحجّاج بالكوفة ، فذكر الذين يزورون قبر رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم ، إنّما يطوفون بأعواد ورمّة بالية ، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله (٣).
وعلى نفس المنوال يقول خالد بن عبد اللّه القسري والي مكة في خطبة له : أيها الناس ، أيّهما أعظم ، أخليفة الرجل على أهله ، أم رسوله إليهم؟ واللّه لو لم تعلموا فضل الخليفة ، ألا إن ابراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه ملحاً أجاجاً ، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً. يريد بذلك بئراً حفرها الوليد بن عبد الملك بالثنيّتين : ثنية طوى ، وثنية الحجون ، فكان ينقل ماؤها ، فيوضع في حوض من
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين / الحاكم ٣ : ٥٥٦.
(٢) الفتوح / ابن أعثم ٦ : ٢٧٦.
(٣) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٥ : ٢٤٢ ، النصائح الكافية / ابن عقيل : ١٠٦.