يقول السيد حسن الصدر عن علم الأصول : ان أول من فتح بابه وفتق مسائله ، هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر الباقر ، وبعده ابنه أبو عبد اللّه الصادق عليهماالسلام ، وقد أمليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله ، جمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب مباحثه ، ككتاب أصول آل الرسول ، وكتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة ، وكتاب الأصول الأصلية ، كلها بروايات الثقات مسندة متصلة الاسناد إلى أهل البيت عليهمالسلام. وأول من أفرد بعض مباحثه بالتصنيف هشام بن الحكم شيخ المتكلمين تلميذ أبي عبد اللّه الصادق عليهالسلام ، صنف كتاب الألفاظ ... (١).
وحفلت كتب الحديث بالأخبار التي أضحت دليلاً على قواعد الأصول ، كقاعدة الاستصحاب ، والترجيح عند تعارض الأخبار ، والتعادل ، والتجاوز ، والفراغ ، والبراءة الشرعية وغيرها ، وانتقد الإمام الباقر عليهالسلام بعض المباني الأصولية التي اعتمدها بعض أئمة الفقه كمسألة القياس والاستحسان كما قدمنا.
وإنّما أدلى الإمام عليهالسلام بتلك القواعد إلى طلاّبه ، كي يخلق فيهم القدرة العلمية على الاستقراء والاستنتاج ، فيزود من يراه أهلاً بالمزيد ويأمره بالتفريع على القاعدة ، والتطبيق على مواردها.
ومن أمثلة تلك الأصول والقواعد العامة ، قاعدة الترجيح التي تعين على التمييز بين الصحيح وغيره في حال تعارض الأخبار ، وذلك بالردّ إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه صلىاللهعليهوآله ، فلا يؤخذ إلاّ بما وافق كتاب اللّه أو سنّة رسول اللّه ، لقول أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام : «لا تصدق علينا إلاّ ما وافق كتاب اللّه وسنّة
__________________
(١) الشيعة وفنون الإسلام : ٩٥.