الروايات المستدل بها يبطل بإطلاقه القول الآخر كما لا يخفى ، فيتعارضان ولا يمكن التعويل على شيء منهما.
وإن أُريد من السفر مطلق الاضطرار ، ومن الحضر حال الاختيار وإنما ذكر ذلك من باب المثال ليرجع القولان إلى قول واحد ، فتدل عليه حينئذ كلتا الطائفتين من الأخبار ولكنه مع ذلك لا يمكن الالتزام به لوجوه :
أحدها : أنّ صحيحة عمر بن يزيد صريحة في جواز تأخير المسافر إلى ثلث الليل قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل » (١) فلا وجه لتحديده بالربع الذي هو أقل منه.
وثانيها : أن الآية الشريفة صريحة في امتداد وقت العشاءين إلى منتصف الليل بعد تفسير الغسق بذلك كما تقدم ، وقد عرفت ظهورها في المختار.
ثالثها : أن طائفة من الأخبار قد نطقت بجواز تأخير المغرب عن الشفق من غير افتراض الاضطرار ولا السفر ، بل في بعضها إلى ربع الليل.
منها : صحيحة أُخرى لعمر بن يزيد قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأُقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أُصلي معهم لم استمكن ( أتمكن ) من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة ، فقال : ائت منزلك وانزع ثيابك وإن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصلّ فإنك في وقت إلى ربع الليل » (٢) ، ولا يقدح اشتمال السند على القاسم بن محمد الجوهري بعد وقوعه في أسناد كامل الزيارات (٣).
ومنها : صحيحة ثالثة له قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أُريد المنزل ، فإن أخّرت الصلاة حتى أُصلي
__________________
(١) الوسائل ٤ : ١٩٣ / أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١.
(٢) الوسائل ٤ : ١٩٦ / أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١١.
(٣) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.