فتحصّل إلى هنا : أن شيئاً من الروايات المتقدمة لا تصلح للاستدلال بها لمذهب المشهور ، لضعفها من جهة السند أو الدلالة.
ولم يبق في البين إلا رواية واحدة هي العمدة في المقام ، وهي موثقة معاوية ابن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : أتى جبرئيل رسول الله صلىاللهعليهوآله بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر إلى أن قال : ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر إلى أن قال : ثم قال : ما بينهما وقت » (١).
ولا يعارضها ما في بعض الأخبار الحاكية لقصة نزول جبرئيل بعين ما مرّ غير أنه ذكر فيها بدل القامة والقامتين الذراع والذراعان كما في رواية معاوية ابن ميسرة (٢) أو القدمان والأربعة أقدام كما في رواية مفضل بن عمر (٣) لضعف سند الروايتين بمعاوية ومفضل ، فلا يستند إليهما كي تعارض الموثقة بهما.
وبالجملة : فهذه الموثقة قوية السند ظاهرة الدلالة ، وهي عمدة مستند المشهور كما عرفت.
إلا أنه لا يمكن العمل بها لمعارضتها بالروايات الكثيرة المتقدمة الدالة على أنّ وقت الفضيلة دون ذلك وأنه القدمان والأربعة أقدام ، أو الذراع والذراعان على اختلاف التعبير الراجعان إلى معنى واحد كما مر التي لا يبعد فيها دعوى التواتر ولو إجمالاً ولا أقل أن فيها الصحاح والموثقات الكثيرة بحيث تعدّ من الروايات الواضحة المشهورة ، بل من السنّة القطعية ، وتكون هذه الموثقة في قبالها من الشاذ النادر فتطرح لكون الترجيح مع تلك الأخبار.
على أن هذه الموثقة موافقة للعامة ، وتلك مخالفة لهم ، فتكون هناك جهة أُخرى لترجيح تلك الأخبار على الموثقة.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ١٥٧ / أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٥.
(٢) ، (٣) الوسائل ٤ : ١٥٨ / أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٦ ، ٧.