الغيبوبة ولوازم استتار القرص ، بل إن هذه أصرح من سابقتها ، لما فيها من الإيعاز إلى كرؤية الأرض بقوله : « إن المشرق مطلّ » إلخ مع التصدي بيده للترسيم مبالغة في التفهيم ، فان مقتضى ذلك أن غيبوبة الشمس تتعقبها ظلمة تدريجية تبتدئ من النقطة المقابلة لسقوط القرص ثم ترتفع شيئاً فشيئاً إلى أن تستوعب ناحية المشرق ، أعني ربع الفلك. إذن فالملازمة بين استتار القرص وبين ارتفاع الحمرة من تلك النقطة لمكان الكروية واضحة جلية ، ومعه لا دلالة لها على القول الأشهر بوجه.
ومنها : ما رواه الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق ، فاذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » (١) وهي أصرح رواية يستدل بها على القول الأشهر ، بيد أنها ضعيفة السند بسهل بن زياد أوّلاً وبالإرسال ثانياً ، ولا يصغي إلى دعوى إلحاق مراسيل ابن أبي عمير بمسانيده ، أو أن الأمر في سهلٍ سهلٌ كما تكررت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح.
على أنه يمكن القول بعدم كونها مرسلة لابن أبي عمير نفسه (٢) ، بل للراوي الذي ينقلها عن ابن أبي عمير فهو ذكره ، لكن الراوي عنه لم يذكره لغاية هو أدرى بها.
أضف إلى ذلك : إمكان تطرق الخدش في الدلالة أيضاً :
أوّلاً : بعدم تطابق مضمونها مع ما هو المشاهد بالعيان ، فان الناظر إلى جانب المشرق من الأُفق لدى الغروب يرى أن الحمرة ترتفع شيئاً فشيئاً إلى
__________________
(١) الوسائل ٤ : ١٧٣ / أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٤ ، الكافي ٣ : ٢٧٩ / ٤.
(٢) فيه : ما لا يخفى ، فان مبنى حجّية مراسيل ابن ابي عمير دعوى أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن الثقة ، إذن فالمروي عنه أياً من كان فهو ثقة بشهادة ابن ابي عمير ، سواء أكان مذكوراً أم لا. فحذف شخص آخر اسمه لا يكاد يضر بحجية روايته بوجه.