وعلى الجملة : الغروب بهذا المعنى لا يتصور فيه شك يزول بالصعود على الجبل ، وإنما يزول بالفحص عن تجاوز الحمرة عن قمة الرأس صعد أم لم يصعد وإنما ينفع الصعود لو كان الغروب بمعنى استتار القرص ، لاحتمال كونه خلف الجبل فيصعد ليفحص عن الأُفق فيصح النهي عنه على هذا التقدير.
ثم إن الرواية لمّا كانت بظاهرها مخالفة للقواعد ، إذ مع الشك في الغروب كان المرجع أصالة عدمه ، ومعه لا يسوغ الإفطار ولا الدخول في الصلاة ، ولذا قال في الحدائق إنها لا تنطبق على شيء من القولين في الغروب. فمن ثم حملها جمع من الأصحاب ومنهم صاحب الحدائق على التقية (١).
أقول : لا يبعد حمل الرواية على صورة وجود أمارة معتبرة على الغروب كارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق ومطلع الشمس ، حيث عرفت أنه ملازم لسقوط القرص واستتاره في الأُفق ، فيحتمل أن سماعة قد دخل في الصلاة اعتماداً على تلك الأمارة ، وبعد أن دخل غفل عن الملازمة فعرضه الشك ، وقد نهاه عليهالسلام عن الصعود اكتفاءً بتلك الأمارة. إذن فلا مقتضي للحمل على التقية بعد انطباق الرواية على القول المشهور من تحقق الغروب بغيبوبة الشمس.
نعم ، هناك رواية أُخرى نظير هذه ولا تصلح للاستدلال ، وهي رواية أبي أُسامة أو غيره قال : « صعدت مرّة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب إنما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد الله عليهالسلام فأخبرته بذلك ، فقال لي : ولِم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها ، وإنما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على الناس أن يبحثوا » (٢) فان مقتضاها تحقق الغروب بمجرد غيبوبة القرص عن النظر ، سواء أغابت في الأُفق
__________________
(١) الحدائق ٦ : ١٦٨.
(٢) الوسائل ٤ : ١٩٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.