وحيث إن ما بين الطلوعين يعادل ساعة ونصف الساعة تقريباً ، فالتفاوت بين القولين يكون حوالي ثلاثة أرباع الساعة.
لعل المعروف هو الثاني حيث لم ينسب الأول إلا إلى نفر يسير ، ولكنه مع ذلك هو الأقوى ، لأجل التعبير بالغسق في قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١) بضميمة الروايات المفسّرة له بمنتصف الليل.
وتوضيحه : أن الغسق وإن فسّر في اللغة بظلمة أول الليل تارة وبشدة ظلام الليل اخرى (٢) ، لكن النصوص الواردة في تفسير الآية المباركة تعيّن المعنى الثاني.
ففي صحيحة زرارة « ... وغسق الليل هو انتصافه .. » إلخ (٣).
وفي صحيحة بكر بن محمد : « ... وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل » (٤) وذلك لأن اشتداد ظلمة الليل ونهايتها إنما هو في المنتصف مما بين غروب الشمس وطلوعها.
توضيح المقام : أن تنوّر أيّ نقطة من الكرة الأرضية أو ظلامها يستند إلى الاقتراب من الشمس أو الابتعاد عنها ، كما أن شدّتهما وضعفهما يستندان إلى كمية الاقتراب أو الابتعاد ، فعند أوان الفجر يبدو ضياء خفيف في الأُفق ثم يزداد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس ، ثم يأخذ في الاشتداد تدريجاً نتيجة اقتراب الشمس حتى تبلغ دائرة نصف النهار فيصل النور حينئذ إلى قمته ومنتهاه ، لأنها نهاية اقتراب الشمس من الأرض في قوس النهار.
وبعد الميل والانحدار عن تلك الدائرة تأخذ في الابتعاد ، ولأجله يضعف الضياء وينتقص النور شيئاً فشيئاً إلى أن تصل الشمس نقطة الغروب فيظلم
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.
(٢) مجمع البحرين ٥ : ٢٢٢.
(٣) الوسائل ٤ : ١٠ / أبواب أعداد الفرائض ب ٢ ح ١.
(٤) الوسائل ٤ : ١٧٤ / أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٦.