الجو حينئذ بمقدار ضئيل ، وكلما أخذت الشمس في الابتعاد أخذت الظلمة في الاشتداد إلى أن تصل النقطة المسامتة لدائرة نصف النهار ، ولنعبّر عنها بدائرة نصف الليل ، فان هذه النقطة هي غاية ابتعاد الشمس ، وبطبيعة الحال هي غاية اشتداد الظلام ، ثم ترجع بعدئذ وتأخذ في سبيل الاقتراب الموجب للاضاءة والإنارة إلى أن يطلع الفجر حسبما عرفت.
ومنه يظهر أن شدّة الظلام ومنتهاه هو عند ما تصل الشمس إلى ما يقابل دائرة نصف النهار من قوس الليل ، فهو عبارة عن منتصف ما بين غروب الشمس وطلوعها ، إذ في النصف ما بينه وبين طلوع الفجر الذي يكون حوالي ثلاثة أرباع الساعة قبل هذا الوقت لم تتحقق بعد غاية الظلام (١) ولا نهاية البعد ، فلم يكن هذا الحين مصداقاً للغسق ليتصف بمنتصف الليل ، ونتيجة ذلك انطباق نصف الليل على النقطة المتوسطة ما بين غروب الشمس وطلوعها.
ويعضده : أن المتفاهم العرفي من هذه اللفظة عند الإطلاق هو ذلك ، لأن النهار عندهم هو ما بين طلوع الشمس وغروبها ، فنصف النهار هو الساعة الثانية عشرة ، ومقتضى المقابلة أن يكون نصف الليل هو الساعة الثانية عشرة أيضاً التي هي منتصف ما بين غروب الشمس وطلوعها.
ويتأيد ذلك بروايتين لولا ضعفهما لكانتا دليلين على المطلوب :
إحداهما : رواية عمر بن حنظلة « أنه سأل أبا عبد الله عليهالسلام فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال : للّيل زوال كزوال الشمس ، قال : فبأيّ شيء نعرفه؟ قال : بالنجوم إذا انحدرت » (٢) حيث يستفاد منها أنه كما أن انحدار الشمس بعد ارتفاعها ونهاية صعودها يدل على الزوال وحلول نصف النهار ، فكذلك انحدار النجوم الطالعة عند الغروب ، فإنه يدل
__________________
(١) لعل هذا خلاف ما هو المحسوس بالوجدان من عدم اختلاف الساعات المتوسطة من الليل في شدّة الظلام.
(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٣ / أبواب المواقيت ب ٥٥ ح ١.