جواز التقديم ، بل أفضليته كما سمعت ، والصحيحتان ظاهرتان في التحديد ، ومقتضى الصناعة رفع اليد عن هذا الظهور بتلك الصراحة والحمل على بيان مجرد الترخيص كما هو الشأن في مقام الجمع (١) بين الظاهر والنص.
وثالثاً : مع الغض وتسليم استقرار المعارضة فلا مناص من ترجيح الصحيحة ، لأجل مخالفتها للعامة حيث إنهم يرون تحديد الوقت بما بعد الفجر ولا يجوّزون التقديم عليه ، فتحمل الصحيحتان على التقية.
وتؤيده رواية أبي بصير قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : متى أُصلي ركعتي الفجر؟ قال فقال لي : بعد طلوع الفجر ، قلت له : إن أبا جعفر عليهالسلام أمرني أن أُصلّيهما قبل طلوع الفجر ، فقال : يا أبا محمد إن الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ ، وأتوني شكاكاً فأفتيتهم بالتقية » (٢).
فإنها صريحة في أنّ الصحيحتين الصادرتين عن الصادق عليهالسلام محمولتان على التقية ، وأن صحيحة زرارة الصادرة عن الباقر عليهالسلام هي المسوقة لبيان الحكم الواقعي. لكنها ضعيفة السند لمكان علي بن أبي حمزة البطائني فإنه ضعيف على الأظهر ، وإن كان المتراءى من عبارة الشيخ في العُدّة وثاقته (٣) ، فإنه لا أصل له (٤) كما بيّناه في محله ، ومن ثم لا تصلح إلا للتأييد ، هذا.
ومما يدل على جواز التقديم جملة من الصحاح دلت على جواز الإتيان بها
__________________
(١) مناط الجمع العرفي على ما تكرر منه قدسسره في غير موضع إمكان الجمع بين الدليلين في كلام واحد من غير تهافت ، وهذا الضابط غير منطبق على المقام ، بداهة التنافي بين الصدر والذيل في نظر العرف لو عرضت عليهم مثل هذه العبارة « موضعهما قبل الفجر » و « صلهما بعد الفجر » وإنما يتجه الحمل على مجرد الترخيص الذي أُفيد في المتن فيما إذا كان الثاني بلسان لا بأس ، أو وارداً موقع توهم الحظر ، فهذا الجواب غير واضح.
(٢) الوسائل ٤ : ٢٦٤ / أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٢.
(٣) العدة ١ : ٥٦ السطر ١٨.
(٤) بل له أصل كما اعترف به في المعجم ١٢ : ٢٤٦ / ٧٨٤٦ ولكنّه معارض بتضعيف ابن فضال.