ثالثها : النصوص الدالة على المضايقة ولزوم المبادرة إلى القضاء فوراً ، فان مقتضاها عدم جواز التطوع لمنافاته مع التضييق المزبور ، فلا بد إذن من تقديمه على النافلة.
وفيه أوّلاً : ضعف المبنى ، والصواب هو القول بالمواسعة كما سيوافيك تحقيقه في محله (١) إن شاء الله تعالى.
وثانياً : مع التسليم فالمراد إنما هو المضايقة العرفية بحيث لا يعدّ متوانياً ومتسامحاً في القضاء ، لا الدقية بحيث يلزمه الاقتصار على الأُمور الضرورية ، فإن هذا مما لا دليل عليه بوجه ، ومن البديهي أنه لا ينافيها الإتيان ببعض المباحات فضلاً عن النوافل.
وثالثاً : مع التسليم أيضاً فغايته أن يكون عاصياً في التأخير لا الحكم ببطلان النافلة ، ضرورة إمكان تصحيحها بالترتب بعد اندراج المقام في كبرى المزاحمة بين الأهم والمهم ، وكون هذا التصحيح مطابقاً لمقتضى القاعدة حسبما فصلنا القول فيه في الأُصول (٢).
ورابعاً : مع التسليم أيضاً فالدليل أخص من المدعى ، إذ قد لا يستطيع المكلف من التصدي للقضاء فعلاً ، لانتفاء بعض الشرائط ككونه فاقداً للماء ، أو عاجزاً عن القيام أو الاستقرار ، مع العلم بزوال هذه الأعذار بعد حين ، فإنه يجب عليه تأخير القضاء إلى أن يتمكن من الإتيان به على وجهه ، وحينئذ فأيّ مانع من الاشتغال في هذه الفترة بالنافلة بعد وضوح صحتها منه في هذه الحالات بأن يتنفل متيمماً أو جالساً أو ماشياً وإن علم بزوال العذر فيما بعد.
وعلى الجملة : فالقول بالمضايقة لا يستوجب بطلان النافلة حتى مع الغض عن جميع ما ذكر إلا بنحو الموجبة الجزئية لا بقول مطلق كما هو المدعى.
رابعها : صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
__________________
(١) العروة الوثقى ١ : ٥٥٤ / ١٨٠٣.
(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٩٤.