المتيسر لكل أحد ، لا سيما من يتمكن من إقامة الجماعة ، فمن عدم إيجابها عليهم عندئذ رأساً يستكشف اشتراط الاذن وعدم المشروعية بدونه.
والجواب : أنّ هذه الروايات المفصّلة بين من كان على رأس فرسخين ومن زاد عنهما ناظرة إلى وجوب الحضور وعدمه دون أصل الإقامة ، فيجب على الأوّلين السعي والحضور إلى المحلّ الذي تقام فيه الجمعة تعييناً أو تخييراً فيما إذا لم تجتمع شرائط العقد لدى مَن بَعُد عنها بثلاثة أميال كما هو مقتضى الجمع بين الأخبار.
وأما غيرهم فلا يجب عليهم ذلك ، لا أنها ساقطة عنهم رأساً وغير مشروعة منهم ، فلا نظر فيها إلى أصل وجوب الإقامة وعدمها كما نبّهنا عليه سابقاً ، بل مقتضى الإطلاق في بقية الأخبار شمول الوجوب لهم مع اجتماع الشرائط ، غايته تخييراً لا تعييناً كما تقدم.
الرابع : أن إيجاب مثل هذا الحكم في زمن الغيبة مثار للفتنة وموجب للهرج والمرج فلا يظن بالشارع الحكيم تشريعه ، فإن الإلزام باقتداء الكل خلف شخص واحد وإيكال تعيينه إليهم ، مع تأبّي النفوس عن الائتمام خلف من يراه مثله أو دونه في الأهلية ، وميل الطباع لاشغال ذاك المنصب وحيازته ، معرض للافتتان ، بل موجب لاختلال النظام ، لتشاحّ النفوس في طلب الرئاسة والتصدي لمقام الإمامة ، فربما يؤدي إلى التشاجر والنزاع بين المسلمين ، لانتصار أهل كل محلة لإمامها ، وقد ينجرّ إلى القتل كما اتفق في عصرنا الحاضر في بعض البلاد ، فلا بد وأن يكون التعيين بنظر الشارع وإذنه الخاص كي تنحسم به مادة النزاع.
وفيه أوّلاً : أن هذا التقرير على تسليمه فإنما يجدي لنفي التعيين لا أصل المشروعية ولو تخييراً ، فانّ الوجوب التخييري حيث لا إلزام فيه على سبيل الحتم والبتّ لوجود المندوحة ، فلا يتضمن الفتنة ، لإمكان التخلص منها باختيار العدل الآخر وهو صلاة الظهر.