وثانياً : أن الفتنة ممنوعة من أصلها حتى على القول بالوجوب التعييني ، فإنّ من قدّم للإمامة إما أن يرى غيره أهليته لها لاستجماعه الشرائط أو لا ، فعلى الأول يجب عليه الائتمام ولا حزازة فيه ، وإن كان دونه في المقام فقد حثّ الشارع على التواضع ومجاهدة النفس ، وحذّر عن الأنانية والكِبَر ، وقد شاهدنا بعض زهّاد العصر يأتم خلفه جمّ غفير من الجهابذة والأساطين وهم أفقه منه وأعظم شأناً بمراتب غير قليلة.
وعلى الثاني : الجماعة باطلة بنظره ، فلم تنعقد جمعة صحيحة كي يجب السعي إليها والحضور فيها. هذا بناء على المختار احتياطاً من عدم الوجوب إلا بعد الانعقاد ، وكذا على القول بوجوب العقد ، فإنه يسقط عندئذ بناء على ما هو الأظهر من عدم جواز عقد جمعتين في بلد واحد حتى مع العلم ببطلان إحداهما ، فلم يكن هناك موجب للافتتان وباعث على الجدال والنزاع من ناحية إيجاب الجمعة في حدّ نفسه ، وأما البواعث الأُخر فهي أجنبية عن هذا التشريع كما لا يخفى ، فتدبر جيداً.
الوجه الخامس : ما رواه الصدوق في العيون (١) والعلل (٢) بسنده عن الفضل ابن شاذان عن الرضا عليهالسلام في وجه صيرورة صلاة الجمعة ركعتين دون أربع ، وقد اشتمل الحديث على بيان علل شتى قد استشهد للمطلوب بفقرتين منها :
إحداهما : قوله عليهالسلام : « لأن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل ، لعلمه وفقهه وفضله وعدله » (٣) حيث يظهر منها أن الامام المقيم للجمعة يمتاز عنه في بقية الجماعات ، لاعتبار كونه عالماً فقيهاً فاضلاً عادلاً ، ولا شك في عدم اعتبار شيء من هذه الصفات في أئمة الجماعات ما عدا الأخير ، فيعلم من ذلك عدم
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١١١ / ١.
(٢) علل الشرائع : ٢٦٤ / ٩.
(٣) الوسائل ٧ : ٣١٢ / أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٣.