وأما مع الجهل فالغالب فيه ما أشار إليه في المتن من الجهل بالحكم ، وأما بالنسبة إلى الموضوع فهو نادر التحقق ، وعلى فرض وقوعه كما لو استيقظ من النوم مثلاً فتخيل أن الوقت لم يسع أكثر من أربع ركعات فصلى العصر ، ثم انكشف سعة الوقت للظهر أيضاً فأخل بالترتيب لمكان جهله بالموضوع وهو الوقت ، فلا ريب في صحة الصلاة حينئذ ، لعموم حديث لا تعاد المسقط لشرطية الترتيب في هذا الظرف.
كما أن الغالب في الجهل بالحكم هو الجهل المستند إلى التقصير ، وأما الجهل عن قصور الموجب للعذر فهو أيضاً قليل الاتفاق ، لملازمة العلم بالترتيب بين الفرائض مع العلم بأصل وجوب الصلاة ، فالتفكيك بأن يعلم الثاني ولم يقرع سمعه الأول لعله لا يكاد يتحقق خارجاً ، وليست مسألة الترتيب من نظريات مسائل الفقه كي يفرض تأدي الاجتهاد إلى عدم وجوبه حتى يكون المجتهد معذوراً في تركه فيكون جاهلاً قاصراً.
نعم ، قد يكون الجهل عن التقصير موجباً للغفلة حين العمل عن وجوب الترتيب فيكون معذوراً عن توجه التكليف إليه (١) لامتناع خطاب الغافل ، إلا أن هذا الامتناع حيث إنه مستند إلى الاختيار ، والممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار فهو غير معذور واقعاً في هذا الإخلال ، فيكون طبعاً في حكم الجاهل المقصر.
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في أن مراد الماتن من الجاهل بالحكم ما هو الغالب منه في المقام وهو الجاهل المقصر كما عرفت ، ولا ريب في إلحاقه بالعامد في عدم شمول حديث لا تعاد ، لمكان تنجز التكليف عليه بمقتضى العلم الإجمالي الباعث له على الفحص عن الشرط وهو الترتيب.
نعم ، لو فرض الجهل القصوري في مثل المقام أحياناً كما لو كان أول يوم
__________________
(١) [ الصحيح : فلا يتوجه التكليف إليه ].