وعلى أي حال فالمشهور أن الكعبة بنفسها إما عيناً أو جهة هي القبلة لكافة المسلمين في جميع الأقطار من القريبين والبعيدين ، وقد نطقت بذلك جملة وافرة من الأخبار المتضمنة لقصة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وغيرها المذكورة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب القبلة فراجع (١).
وحكي عن الشيخين (٢) وجماعة من القدماء التفصيل بلحاظ الأمكنة من حيث القرب والبعد ، فالكعبة قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد لمن كان في الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، فليست القبلة منحصرة في الكعبة ، بل تختلف حسب مراتب البعد ، واختاره المحقق في الشرائع (٣) صريحاً ، بل في الذكرى (٤) نسبته إلى أكثر الأصحاب ، وعن الخلاف (٥) دعوى الإجماع عليه ، وقد استشهدوا لذلك بجملة من النصوص.
أقول : إن أراد هؤلاء من التفصيل المزبور أن القبلة متعددة واقعاً وأنها في حدّ ذاتها غير منحصرة في الكعبة ، بحيث إن من كان خارجاً عن المسجد يجوز له الاتجاه نحو ضلع من أضلاعه حتى مع القطع بانحرافه عن البيت ، ومن كان خارجاً عن الحرم يكفيه استقبال جزء منه وإن لم يستقبل المسجد ولا البيت ، فالوظيفة المقررة في هذه الموارد مختلفة حتى واقعاً. فلا ريب أن هذا مقطوع العدم ، بل هو مخالف لضرورة الدين ومنافٍ لإجماع المسلمين ، بداهة أن كون الكعبة هي القبلة وانحصارها فيها للقريب والنائي من الوضوح لدى المسلمين بمثابة النار على المنار ، يعرفه العوام فضلاً عن الخواص ، بل
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٢٩٧ / أبواب القبلة ب ٢.
(٢) المفيد في المقنعة : ٩٥ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٧٧.
(٣) الشرائع ١ : ٧٧.
(٤) الذكرى ٣ : ١٥٩.
(٥) الخلاف ١ : ٢٩٥ مسألة ٤١.