ولكنها بأجمعها مراسيل لا يعوّل عليها ، مع احتمال كون الأُوليين رواية واحدة. على أن الأخيرة ضعيفة السند بخراش أيضاً ، فإنه لم يوثق ، بل وقاصرة الدلالة ، إذ مفادها وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربعة حتى مع التمكن من الاجتهاد وتحصيل الظن ، وهو خلاف المذهب المشهور ، بل الظاهر أنّه لا قائل به.
وبكلمة واضحة : مفاد الرواية عدم جواز العمل بالظن ، ووجوب الصلاة إلى الجهات الأربع ، وهو خلاف ما يراه المشهور من اختصاص ذلك بمورد العجز عن تحصيل الظن ، بل وخلاف صريح صحيح زرارة الدال على جواز العمل به لدى حصوله.
ودعوى انجبار ضعف هذه الأخبار بعمل الأصحاب ، مدفوعة بمنع الكبرى بل وكذلك الصغرى ، لعدم ثبوت استنادهم إليها ، ولعلهم اعتمدوا على ما عرفت من قاعدة الاشتغال.
والمتحصل : أنّ ما عليه المشهور عارٍ عن دليل يصح التعويل عليه.
فالأقوى إذن الاكتفاء بصلاة واحدة كما دلت عليه صريحاً صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام « أنه قال : يجزئ المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (١).
ولا مجال للنقاش فيها تارة سنداً بجهالة طريق الصدوق إلى زرارة ومحمد ابن مسلم مجتمعين. وأُخرى متناً نظراً إلى أن الوارد في بعض نسخ الفقيه « التحري » بدل « المتحير » فتكون الرواية حينئذ من أدلة حجية الظن بالقبلة لدى العجز عن تحصيل العلم ، ولا دلالة لها على اكتفاء المتحيّر بالصلاة إلى إحدى الجهات.
لاندفاع الأول بأن الاقتصار على صورة الانفراد يكشف عن الاتحاد وأن طريقه إليهما مجتمعين هو بنفسه الطريق إليهما منفردين كما لا يخفى. وحيث
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٣١١ / أبواب القبلة ب ٨ ح ٢.