أعني صحيح زرارة وموثق سماعة المتقدمين (١) ، فان المحتمل فيه وجوه ثلاثة :
أحدها : استفادة الموضوعية للتحري ، بأن تكون قبلة المتحير حتى في صقع الواقع هو ما تحراه وتعلق به ظنه سواء أصاب أم أخطأ. وعلى هذا الاحتمال لم يكن أي موجب للإعادة ، لأنه قد أتى بما هي وظيفته الواقعية آن ذاك من غير أي خلل فيها.
ولكنه كما ترى خلاف الظاهر جدّاً ، بل بمكان من السقوط ، لعدم احتمال تعدد القبلة باختلاف حالات المكلفين ، بل القبلة الواقعية يشترك فيها الكل من غير تغيير ولا تبديل.
ثانيها : استفادة الطريقية المحضة ، فالعبرة بنفس القبلة لا بمظنونها ، وإنما الظن طريق إليها يترتب عليه جميع آثار الواقع ما دام باقياً من جواز الصلاة ودفن الموتى وتذكية الذبائح وما شاكلها مما يعتبر فيه الاستقبال ، كما هو الحال في سائر الطرق والأمارات كالبينة ونحوها.
ومن جملة تلك الآثار إعادة ما صلاه بمقتضى الاجتهاد الأوّل ، لانكشاف خطئه بمقتضى الاجتهاد الثاني. وقد استظهر الماتن هذا الاحتمال ، ومن ثم حكم بوجوب الإعادة.
ثالثها : لا هذا ولا ذاك ، وإنما هو من باب الاكتفاء بالامتثال الظني من غير نظر إلى اللوازم الأُخر ليقتضي فساد ما صدر بموجب الاجتهاد الأول ، فهو طريق في مقام الامتثال وتطبيق العمل عليه فحسب.
وقد يقال بفساده ولزوم إعادة الاولى على هذا المبنى أيضاً ، نظراً إلى العلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين ، بل التفصيلي ببطلان
__________________
(١) تقدمت صحيحة زرارة في ص ٤٣٤. وأما موثقة سماعة فمروية في الوسائل ٤ : ٣٠٨ / أبواب القبلة ب ٦ ح ٢.