فعلى المختار لا إشكال في الاجتزاء بصلاة واحدة لدى العجز عن التكرار إلى الجوانب الأربع إما لضيق الوقت أو لمانع آخر ، فان الاكتفاء بالواحدة مع الاختيار والسعة يستوجب الاكتفاء بها مع الاضطرار والضيق بطريق أولى.
وأما على المسلك المشهور فهل يجب رعاية بقية المحتملات والإتيان بالمقدار المتمكن من الصلوات عند العجز عن الصلاة إلى تمام الجهات الأربع أم يجزئه حينئذ صلاة واحدة حيثما توجه؟ المشهور هو الأول ، وذهب بعضهم إلى الثاني.
وهذه المسألة مبنية على كبرى أُصولية والكبرى منقحة في الأُصول (١) وهي أن الاضطرار إلى ترك بعض أطراف الشبهة المحصورة في الشبهة الوجوبية هل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز فلا مقتضي لرعاية الاحتياط في بقية الأطراف أم لا؟ بل هو بعدُ باق على التنجيز بالإضافة إلى غير مورد الاضطرار؟
ذهب صاحب الكفاية (٢) قدسسره إلى السقوط بدعوى أن الشرط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال ذا أثر على كل تقدير بحيث يكون متعلق العلم تكليفاً فعلياً على أي حال ، وبما أن الاضطرار رافع للتكليف واقعاً ، ومن الجائز أن يكون المعلوم بالإجمال بنفسه مورداً للاضطرار المستلزم لسقوط التكليف حينئذ فلم يكن العلم الإجمالي متعلقاً بحكم فعلي على كل تقدير ، إذ لا أثر له على هذا التقدير وإن كان له الأثر على التقدير الآخر. ففي المقام الصلاة إلى الجوانب الأربعة إنما تجب للعلم الإجمالي بوقوع القبلة في أحدها أو بعد فرض الاضطرار إلى ترك إحدى الجهات أو ثنتين منها لمكان الضيق أو لمانع آخر ، واحتمال أن يكون
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٨٠.
(٢) كفاية الأُصول : ٣٦٠.