المضطر إلى تركه هي الصلاة إلى القبلة بنفسها فلا علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير ، فلا يكون مثل هذا العلم منجزاً ، ونتيجة ذلك سقوط شرطية القبلة حينئذ وجواز الاجتزاء بصلاة واحدة. ولعل هذا هو وجه القول بكفاية صلاة واحدة المخالف للمشهور الذي أشرنا إليه آنفاً ، هذا.
ولكن الظاهر عدم السقوط وبقاء العلم الإجمالي على صفة التنجيز فتجب رعاية الاحتياط في بقية المحتملات. والوجه في ذلك : أن الاضطرار إنما يوجب ارتفاع الحكم وسقوط التكليف إذا كان الحكم الشرعي بنفسه مورداً للاضطرار لا غيره ، أو الجامع بينه وبين غيره ، فلا بد من اتحاد المتعلقين بحيث يكون الاضطرار متعلقاً بعين ما تعلق به التكليف ، ولا شك أن الصلاة إلى القبلة الواقعية المردّدة بين الجهات الأربع لا اضطرار إلى تركها بخصوصها وفي حدّ ذاتها ، ولذا لو انكشف الحال وارتفع الإجمال وتعينت القبلة في جهة خاصة كان متمكناً من الصلاة إليها على الفرض ، وإنما الاضطرار قائم بالجمع بين المحتملات ، فمتعلقه هو الجامع بين الصلاة إلى القبلة الواقعية وبين غيرها دون الاولى بخصوصها ، ومن الضروري أن مثل هذا الاضطرار لا يرتفع به التكليف.
وعليه فوجوب الصلاة إلى القبلة المعلومة بالإجمال باق على حاله ، وحيث إن كلا من الأطراف يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه فلا يسوّغ العقل مخالفته ، لاحتمال أن يكون ذلك مخالفة للتكليف الواصل ، فلا مؤمّن من احتمال العقاب فيجب بحكم العقل رعاية الاحتياط فيه دفعاً للضرر المحتمل ، فيأتي بالممكن من الأطراف ويصلي إلى ما يتيسر من الجهات إلى أن ينتهي إلى الطرف غير الممكن المضطر إلى تركه فيقطع حينئذ بالأمن من العقاب في ترك هذه الجهة ، لأن القبلة إن كانت في غيرها فقد صلى إليها ، وإن كانت فيها فهو مضطر في ترك الصلاة إليها فيسقط لمكان العجز ، فهو عالم بسقوط الأمر إما بالامتثال أو بالعجز.