الكلام من دون فرق في ذلك بين ما إذا كانت المانعية شرعية مستفادة من دليل لفظي ، أو عقلية ثبتت بالدليل اللبّي كما في الغصبية ، حيث إنّ اعتبار الإباحة في اللباس لم يكن مدلولاً لدليل لفظي ، وإنّما استفيد من حكم العقل بامتناع كون الحرام مصداقاً للواجب ، الموجب لتقييد ما دلّ على اعتبار الساتر في الصلاة بكونه مباحاً ، بخلاف مانعية مثل الحرير المستفادة من الأدلّة اللفظية.
وقد خالف في ذلك بعض الأعاظم تبعاً لصاحب الكفاية قدسسره (١) فذكر أنّ المخصص إذا كان لبيّاً مستفاداً من دليل العقل يقتصر فيه على المقدار المتيقن ، فكان الخارج عن عموم العام إنّما هي الأفراد المعلومة ، فلا يوجب ذلك انثلام ظهور العام وحجيته في الباقي وإن كان الفرد مشكوكاً.
لكنه كما ترى لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، ضرورة أنّ العبرة في التخصيص إنّما هو بالمنكشف دون الكاشف ، فاذا ثبت خروج عنوان عن تحت العام خروجاً واقعياً بحيث لا يكاد يشمله العموم في نفس الأمر وفي مقام الثبوت ، اقتضى ذلك لا محالة تقيّد موضوع العام بحسب الإرادة الجدية بما عدا عنوان الخاص ، سواء أكان الدالّ عليه في مقام الإثبات اللفظ أم العقل فعنوان العام مقيّد بحسب الواقع بغير ذلك على التقديرين ، ومعه كيف يمكن التمسك به عند الشك وفي الشبهة المصداقية.
وبالجملة : فالمانعية العقلية كاللفظية لا تختص بصورة الإحراز ، بل هي أمر واقعي تعمّ صورة الشك في وجود الموضوع أيضاً.
نعم ، يتمّ ذلك فيما إذا كانت المانعية العقلية ناشئة من التزاحم بين التكليفين مع تقديم جانب النهي ، فانّ المانعية حينئذ تختص بصورة العلم والإحراز لتقوّم صدق المزاحمة بذلك ، ضرورة أنّ التكليف إنّما يتصف بكونه مزاحماً ومعجّزاً مولوياً في ظرف التنجّز وبلوغه إلى المكلف ، وإلا فمجرد وجوده الواقعي ما لم يبلغ حدّ التنجز لا يكون مزاحماً مع التكليف الآخر.
__________________
(١) الكفاية : ٢٢٢.