وبالجملة : فاعتبار الوصول في فعلية الحكم غير سديد وإن أصرّ عليه صاحب الكفاية في مبحث اجتماع الأمر والنهي (١) ولأجله صحح الصلاة في المغصوب لدى الجهل ، نظراً إلى عدم فعلية الحرمة حينئذ. وأجبنا عنه بضرورة فعلية الحكم إذا كان موضوعه موجوداً بتمام قيوده ، غاية الأمر أنّه لا يتنجّز مع الجهل. وتمام الكلام في محلّه (٢).
رابعها : التمسك بالروايات التي تضمنت جواز الصلاة في الخزّ الخالص غير المغشوش بوبر الأرانب (٣) بدعوى أنّ اختصاصها بمحرز الخلوص بحيث يعلم عدم نسج شيء من خيوطه بوبر غيره حمل للمطلق على الفرد النادر ، فيلغو تشريع هذا الجعل. فحذراً عن اللغوية يراد بها ما يطلق عليه اسم الخزّ مما كان لبسه متعارفاً في تلك الأزمنة ، بحيث يشمل محتمل الغشية ، فاذا شمل ما احتمل فيه الغش والخلط شمل ما احتمل أن يكون اللباس بأجمعه مما لا يؤكل ، لعدم القول بالفصل بين موارد الشبهة.
وفيه أولاً : أنّ معرفة الخالص من جلد الخز كغيره من الجلود سهلة يسيرة وغير عزيزة عند أهل الخبرة ، بل هو معروف لديهم يميزونه عن غيره كما يميزون جلد الشاة عن المعز.
وأمّا الخلوص في الوبر فيمكن إحرازه بالعلم الوجداني كما لو نسج اللباس بيده ، أو التعبدي كما لو أخبره البائع الذي يثق به ، أو شخص آخر من أهل الخبرة ، أو غيرهما من حجة معتبرة. فإحراز الموضوع بعلم أو علمي كبقية الموضوعات لم يكن من الفرد النادر بحيث يمتنع حمل المطلقات عليه ، فمع استقرار الشك بحيث لم يكن ثمّة حتى أصل محرز لا مانع من أن لا تتناوله هذه المطلقات ، لما عرفت من عدم قلّة الموارد التي يمكن فيها إحراز الخلوص ولو
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١٥٦ الأمر العاشر.
(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٣٢ فما بعد.
(٣) ومن تلك الروايات ما روي في الوسائل ٤ : ٣٦١ / أبواب لباس المصلي ب ٩ ح ١.