وهذا بحسب الكبرى مسلّم لا غبار عليه ، وإنّما الإشكال في انطباقها على الشك في وجود الماء للوضوء ، حيث إنّ الماء بنحو صرف الوجود موضوع لوجوب التوضي به ، فلا وجوب بدونه ، وحينئذ فمع العلم بوجوده لا يجوز التوضي بمائع يشك في مائيته ، لقاعدة الاشتغال كما هو واضح.
وأمّا مع الشك في أصل الوجود فقد ذهب المحقق النائيني قدسسره (١) إلى أصالة البراءة عن وجوب الوضوء ، للشك في وجود موضوعه ، تعويلاً على الكبرى المزبورة وتطبيقاً لها على المثال ، ومن ثمّ جعل النصّ الوارد في المقام المتضمن لوجوب الفحص غلوة سهم أو سهمين (٢) حكماً تعبدياً مخالفاً لمقتضى القاعدة.
ولكنّه كما ترى ، إذ لا يثبت بالأصل المزبور كون المكلّف فاقدا للماء لينتقل إلى التيمم ، بداهة أنّ وجدان الماء كما أنّه شرط لوجوب الوضوء فكذلك فقدانه شرط لوجوب التيمم ، فكيف تجري البراءة عن أحدهما لإثبات الآخر ، بل هو يعلم إجمالاً بأحد التكليفين ولزوم تحصيل إحدى الطهارتين. ومقتضى العلم الإجمالي الفحص حتى يحصل اليأس ويحرز العجز ، أو يرتفع وجوبه بدليل نفي الضرر أو الحرج لينتقل إلى التيمم.
ومنه تعرف أنّ النصّ المزبور موافق للقاعدة من حيث أصل الفحص ، وإن كان مخالفاً لها من حيث التحديد بالغلوة والغلوتين ، وأنّه لولاه لزم الفحص إلى أن يحصل العجز حسبما عرفت.
وأمّا القسم الخامس : وهو الذي يكون الموضوع فيه ملحوظاً على سبيل السريان والاستغراق ، بأن يكون لكلّ فرد من أفراد الطبيعة حكم مستقل وجوبي أو تحريمي مغاير للفرد الآخر ، كما في قولنا : أكرم كلّ عالم ، أو لا تشرب الخمر ، حيث لوحظ كلّ فرد من العالم أو من الخمر موضوعاً مستقلا لحكم
__________________
(١) رسالة الصلاة في المشكوك : ٢٢٦ ، ٢٢٧.
(٢) الوسائل ٣ : ٣٤١ / أبواب التيمم ب ١ ح ٢.