وجود الحيوان وخلقه قد علمنا بانقلاب عدم الجزء الأول إلى الوجود ، وأمّا الجزء الثاني أعني الاتصاف المزبور فلا علم لنا بالانقلاب ، فيحكم ببقاء العدم على ما كان عليه أزلاً.
وقد اشتهر التعبير عن هذا الاستصحاب في كلماتهم باستصحاب العدم الأزلي ، باعتبار أنّ المستصحب هو العدم الثابت قبل وجود الموضوع غير المحدود بزمان معين ، فكأنّه كان ثابتاً من الأزل.
وكيف كان ، فقد وقع الخلاف في حجية هذا الاستصحاب ، فأثبته صاحب الكفاية مطلقاً (١) وأنكره شيخنا الأُستاذ قدسسره كذلك (٢) واختار بعض الأعاظم التفصيل في المقام كما ستعرف.
وحيث إنّ هذه المسألة مهمّة جليلة يترتب عليها فوائد كثيرة في الأبواب المتفرقة من الفقه ينبغي لنا التعرض لها ، والبحث عنها كبروياً تعميماً للفائدة وإن كان خارجاً عن نطاق المقام ، فنقول وبه نستعين : لا بدّ قبل الخوض في صميم البحث من تقديم جهات :
الجهة الاولى : أنّ الموضوع للحكم قد يكون بسيطاً ، وأُخرى مركّباً من جزأين فصاعداً. ونعني بالموضوع ما يعمّ المتعلّق ، وبالجزء مطلق القيد المأخوذ في موضوع الحكم أو متعلّقه ، لا خصوص الجزء الاصطلاحي المقابل للشرط.
أمّا لو كان بسيطاً فلا إشكال في جريان استصحاب الحالة السابقة من الوجود أو العدم ، فيترتب عليه الأثر نفياً أو إثباتاً ، وهذا ظاهر.
وأمّا لو كان مركّباً فلا ريب في ترتّب الأثر مع العلم بوجود الجزأين مثلاً فعلاً ، أو سابقاً مع الشك فعلاً فيحرز الموضوع بالاستصحاب. كما لا ريب في عدم الترتّب مع العلم بعدمهما سابقاً وإن شك فعلاً فيستصحب العدم. وأمّا إذا كان أحد الجزأين مقطوع الوجود سابقاً والآخر مقطوع العدم فانقلب العدم إلى
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٢٢٣.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٤٦٤.