وأما القسم الثالث : وهو ما إذا كان للمتعلّق متعلّق يعبّر عنه بالموضوع وكان جزئياً شخصياً كالقبلة في وجوب الصلاة إليها ، أو حرمة استقبالها أو استدبارها لدى التخلّي ، وكعرفات في حرمة الإفاضة عنها قبل الغروب من يوم عرفة ، فمع الشك في الانطباق إن كان الحكم إيجابياً وعلى سبيل صرف الوجود كالصلاة إلى القبلة لا بدّ فيه من الإحراز بقاعدة الاشتغال ، وإن كان انحلالياً جمعاً أو جميعاً وجوباً أو تحريماً فالمرجع أصالة البراءة ، إلا أن يكون ثمّة أصل موضوعي حاكم كأصالة بقاء النهار في مثال الإفاضة ، أو علم إجمالي غير دائر بين الأقل والأكثر كما في مثال التخلّي عند اشتباه القبلة ، حيث يعلم إجمالاً بوجودها في أحد الأطراف ، فإنّ اللازم حينئذ هو الاحتياط أيضاً كما اتضح مما تقدم.
وأمّا القسم الرابع : وهو ما لو كان للمتعلّق متعلّق كلّي ملحوظ على سبيل صرف الوجود فلا مصداق لهذه الكبرى في التكليف التحريمي ، لوضوح أنّ المفسدة لما كانت قائمة بالطبيعة فلا جرم تسري إلى جميع أفرادها أو مجموعها ولا يعقل قيامها بفرد ما كما لا يخفى.
وإنّما يتّجه ذلك في التكليف الوجوبي كما في أمر المولى بإكرام العالم في قوله : أكرم عالماً ، حيث يكون وجود طبيعي الموضوع في الجملة موجباً لحدوث مصلحة في الفعل المتعلّق به ، وهو الإكرام في المثال ، من غير فرق بين تعدد وجود الموضوع خارجاً ووحدته ، إلا من حيث التوسعة على المكلف في مقام الامتثال وضيقه.
وعليه فيتوقف وجوب الامتثال على وجود العالم خارجاً قلّ عدده أم كثر فلو شكّ بعد العلم بوجوده في تحقق الإكرام كان المرجع قاعدة الاشتغال.
أمّا لو شك في أصل الوجود لأجل الشك في انطباقه على فرد فحيث إنّه مشروط بوجوده اشتراط الحكم بوجود موضوعه ، والشك في الشرط شك في المشروط ، فلا جرم يشك في تعلّق التكليف فيرجع إلى أصالة البراءة ، ولا يجب الفحص عنه كما هو ظاهر.