أمّا القسم الأوّل : أعني ما إذا لم يكن للمتعلّق متعلّق ، وكان التكليف إيجابياً كوجوب الذكر أو الدعاء أو التكلّم بالعربية مثلاً ، وشكّ في انطباق ذلك على الوجود الخارجي كأن شكّ أنّ ما تفوّه به مصداق للذكر أو الدعاء أو الكلام العربي أو لا ، فلا ريب أنّ المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، لفعليّة التكليف وتنجّزه والقدرة على امتثاله ، ولا بد في الخروج عن عهدة التكليف الواصل من الاعتماد على اليقين ، فانّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، فلا يجوز في نظر العقل الاقتصار على الفرد المشكوك. هذا فيما إذا كان المطلوب بنحو صرف الوجود كما هو الغالب في مثل هذا القسم ، بل لا يكاد يوجد في الأحكام الشرعية على غير هذا النحو.
وأمّا إذا فرضنا أنّ المطلوب هي الطبيعة السارية بنحو العموم الاستغراقي أو المجموعي وإن كان ذلك مجرد فرض لا مصداق له خارجاً إلا بمثل نذر وشبهه ، كأن ينذر أن يقرأ في يوم الجمعة مثلاً كل ما كان مصداقاً للدعاء وشكّ في انطباق الطبيعة على الموجود الخارجي زائداً على المقدار المعلوم من أفرادها فحينئذ اندرج المقام في باب الدوران بين الأقل والأكثر الاستقلاليين على الأوّل أعني ما كان من قبيل العموم الاستغراقي والارتباطيين على الثاني. والأوّل مجرى لأصالة البراءة بلا إشكال ، وكذلك الثاني على المختار ، بل المشهور حسبما هو موضح في الأُصول (١) ، للشك في تعلّق التكليف زائداً على الأفراد المعلومة ، أو في جزئيّة شيء زائداً على الأجزاء المتيقّنة ، ومقتضى الأصل البراءة عنها.
ومنه تعرف أنّ ما أفاده المحقق النائيني قدسسره (٢) من الرجوع إلى أصالة الاشتغال لدى الشك في الانطباق على سبيل الإطلاق لا يمكن المساعدة عليه ، بل الصواب اختصاصه بما كان على نحو صرف الوجود ، ولا يشمل ما
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٢٦.
(٢) كتاب الصلاة ١ : ١٨٠ ، ١٨٤ ، ١٨٧.