والمتحصّل من جميع ما تقدم : أنّ المقتضي لاعتبار الاستقبال في النافلة حال الاستقرار تام ، لصحة بعض الوجوه المتقدمة وعمدتها الوجه الرابع ، فيقع الكلام حينئذ في وجود المانع وعدمه وهي :
الجهة الثانية : وقد استدلّ المحقق الهمداني قدسسره (١) على عدم اعتبار الاستقبال حال الاستقرار بعدة من الأخبار ، التي هي بمنزلة المانع عن الأخذ بما تقدم من المقتضي.
أحدها : صحيحة زرارة التي رواها المشايخ الثلاثة عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه قال له : « استقبل القبلة بوجهك ، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فان الله ( عز وجل ) يقول لنبيه في الفريضة ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ... ) » إلخ (٢) فانّ التقييد بالفريضة يكشف عن اختصاص الاعتبار بها فلا يشترط الاستقبال في النافلة مطلقاً ، لاختصاص الآية حسب تصريح الامام عليهالسلام بالفريضة.
ويتوجه عليه أوّلاً : أنّ الصحيحة مورداً واستشهاداً ناظرة إلى بيان حكم آخر أجنبي عن محل الكلام. توضيحه : أنّ هنا بحثين :
أحدهما : في اعتبار الاستقبال في الصلاة مطلقاً ، أو اختصاصه بالفريضة فقط ، ونعني بذلك لزوم إيقاع الأجزاء الصلاتية من التكبيرة إلى التسليم حال الاستقبال ، فيبحث عن أنّ ذلك هل يختص بالفريضة أم يعم النافلة؟
ثانيهما : في قاطعية الالتفات إلى الخلف أو اليمين أو الشمال أثناء الصلاة ولو في غير حال الاشتغال بالذكر ، وأنّها هل تبطل الصلاة [ به ] مطلقاً أو في خصوص الفريضة ، وهذا بحث آخر لا يتكفله مجرد اعتبار الاستقبال في الصلاة بنفسها ، بل يحتاج إلى دليل بالخصوص كما لا يخفى.
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٠٨ السطر ١٩.
(٢) الوسائل ٤ : ٣١٢ / أبواب القبلة ب ٩ ح ٣ ، الكافي ٣ : ٣٠٠ / ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ / ١١٤٦.