والنافلة ، وهي سليمة عن شوائب الإشكال ، وبمقتضاها يحكم باعتبار الاستقبال مطلقاً ما لم يمنع عنه مانع.
الخامس : من الوجوه التي استدل بها لاعتبار الاستقبال في المقام قوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (١) حيث دل بمقتضى الإطلاق على وجوب الاستقبال في عامة الصلوات وحيث ما كان المكلّف ، خرج عنه النافلة حال السير بالأدلّة الخاصة فيبقى الباقي تحت الإطلاق. نعم ، مورد الآية هي الفريضة ، لكن المورد لا يخصص الحكم بعد انعقاد الإطلاق.
لكن الاستدلال بها بمكان من الضعف ، لوضوح عدم ورود الآية المباركة في مقام بيان اعتبار الاستقبال كي يتمسك بإطلاقها ، وإلا كان مقتضاها لزوم الاستقبال في كافّة الأحوال وعامّة الأفعال من الصلوات وغيرها عملاً بإطلاق قوله تعالى ( حَيْثُ ما كُنْتُمْ ) (٢) مع أنّه ضروري البطلان ، بل إنّما وردت لتعيين المستقبل ( بالفتح ) كما يشهد به التدبّر في الآيات السابقة واللاحقة ، سيما صدر نفس هذه الآية ، قال تعالى ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ... ) إلخ (٣).
فالآية إنّما سيقت لبيان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، وتعيين ما يجب استقباله فيما يجب فيه الاستقبال على إجماله من عموم أو خصوص وأمّا أنّ الاستقبال في أيّ مورد يعتبر فليست الآية في مقام بيانه كي يتمسك بإطلاقه ، نعم المتيقن إرادة الفريضة لكونها مورد نزول الآية ، وأما الاعتبار في غيرها فلا يكاد يستفاد منها بعد كونها واردة لبيان حكم آخر كما عرفت.
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٤٤.
(٢) حيث ) ظرف مكان ، فمعنى حيث ما كنتم هو أينما كنتم ، لا في أيّ حالة كنتم.
(٣) البقرة ٢ : ١٤٤.