والصحيح : لأنّهن إذا نهين لا ينتهين كما في الوافي (١).
وكيف كان ، فمقتضى التعليل حرمة النظر إلى رؤوس غير من ذكر في الخبر ممن تنتهي إذا نهيت ، فكأنه يستفاد منها أنّ حرمة النظر لأجل أنّ المؤمنة لها حق على المؤمن وهو أن لا ينظر إليها فيهتك حرمتها ، فأما إذا ألقت المرأة جلبابها وألغت احترامها وأسقطت حقها بحيث كلّما نهيت لا تنتهي فلا حرمة لها ، نظير إلغاء الإنسان احترام ماله ، فتدلّ على عدم جواز النظر إلى العفيفات اللاتي ينتهين إذا نهين.
الجهة الخامسة : في النظر إلى الوجه والكفين بدون قصد الريبة. أمّا معه فلا إشكال في الحرمة كما مرّ في الجهة الثالثة. والمشهور ذهبوا إلى الحرمة ، وأصرّ عليه في الجواهر (٢) ، وذهب شيخنا الأنصاري قدسسره (٣) وجماعة إلى الجواز ، وفصّل بعضهم بين النظرة الأُولى فتجوز دون الثانية جمعاً بين الأدلّة ، وأمّا الماتن فقد احتاط فيه وجوبيّاً في المقام وفي كتاب النكاح (٤).
وكيف كان ، فينبغي التعرض أوّلاً لما استدلّ به للمشهور ، فان تم وإلا فيحكم بالجواز أو يحتاط. وقد استدلّ لهم بوجوه من الأدلّة الأربعة :
الأول : قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ .. ) إلخ (٥) فانّ وجوب الغض مطلق يشمل الوجه والكفين ، فلا يجوز النظر إلى أي جزء من بدن الأجنبية كما لا يجوز لها النظر إلى الأجنبي.
وفيه أولاً : أنّ الآية غير ظاهرة في تحريم النظر ، لعدم ظهور الغض في الغمض ، بل لا يبعد أن يكون المراد التجاوز عن المرأة وعدم القرب منها والإعراض عنها المعبّر عنه بالفارسية بـ ( چشم پوشي ) وهذا استعمال دارج في
__________________
(١) لاحظ الوافي ٢٢ : ٨٢٩ / ٢٢٢٧٦ [ فإنه مطابق لما ذكر في الوسائل ].
(٢) الجواهر ٢٩ : ٧٧.
(٣) كتاب النكاح : ٤٦ ٤٩.
(٤) العروة الوثقى ٢ : ٥٨٢ المسألة ٣١ [٣٦٦٣].
(٥) النور ٢٤ : ٣٠.