العربية وغيرها ، فيكون كناية عن الكف عن الزنا ، المساوق لقوله تعالى ( وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (١).
وبعبارة اخرى : بعد امتناع حمل الغض على معناه المطابقي وهو إطباق الجفنين وغمض العينين ، لعدم وجوب ذلك بالضرورة ، يدور ذلك الأمر بين كونه كناية عن أحد معنيين : إما المنع عن إيقاع النظر على المرأة ، بأن يصرف نظره عنها فينظر إلى الفوق أو التحت من السماء أو الأرض أو أحد الجانبين ، تحفظاً عن وقوع النظر عليها. وإما إرادة الإعراض عنها وعدم الدنو منها ، بأن لا يعقّبها ولا يتصدّى لمقدمات الوقوع في الحرام وهو الزنا ، فيكفّ بصره عنها بتاتاً كما عرفت ، وليس المعنى الأول الذي هو مبنى الاستدلال أولى من الثاني لو لم يكن الأمر بالعكس.
وثانياً : مع الغض عما ذكر وتسليم ظهور الآية المباركة في المنع عن النظر فلا ريب في عدم إمكان الأخذ بإطلاقه ، لجواز النظر إلى كثير من الموجودات من السماء والأرض والشجر والحجر والمدر وسائر الأجسام. وتخصيصها بها بحيث لا يبقى تحت الإطلاق إلا الأجنبية يوجب تخصيص الأكثر القبيح الذي هو من مستهجن الكلام جدّاً ، سيما في المقام الذي لا يبقى تحت العام إلا فرد واحد ، فانّ مثل هذا الكلام لا يكاد يصدر عن الفرد العادي فما ظنك بالقرآن المعجز ، فلا بد وأن يكون المراد بالآية المباركة غض البصر عما حرّمه الله ، فيتوقّف ذلك على إثبات الحرمة من الخارج ، والقدر الثابت ما عدا الوجه والكفين من الأجنبية فلا يمكن الاستدلال بالآية لتحريم النظر إليها منها.
وبالجملة : الأمر بالغض في الآية إرشاد إلى ترك النظر إلى ما ثبتت حرمته بدليله ، فهي مجملة بالإضافة إلى الوجه والكفين ، فلا يمكن الاستدلال بها للمقام كما هو ظاهر.
__________________
(١) النور ٢٤ : ٣٠.