لكن الظاهر هو الثاني ، لظهور قوله عليهالسلام في تلك الأخبار : « حيث ذهب بعيرك » (١) و« حيث كان متوجهاً » (٢) ونحو ذلك في وجوب استقبال الجهة التي تتوجه إليها الدابة (٣) وعدم جواز الانحراف عنها ، فكأن ما تتوجه إليه الدابة هي القبلة الثانوية في حقه ، ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور ، مضافاً إلى التصريح به في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام : « في الرجل يصلّي النوافل في السفينة ، قال : يصلي نحو رأسها » (٤) ، وعليه فلا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة كما لا يخفى.
المسألة الثالثة والرابعة : في التنفّل في الحضر راكباً أو ماشياً. والمشهور هو سقوط الاستقبال حينئذ ، خلافاً للمحكي عن ابن ابي عقيل فذهب إلى اعتباره في الحضر مطلقاً ، أي في حالتي السير وعدمه (٥) وتبعه جماعة.
والأقوى ما عليه المشهور لجملة من النصوص :
منها : صحيحة حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول عليهالسلام : « في الرجل يصلّي النافلة وهو على دابته في الأمصار ، فقال : لا بأس » (٦) فانّ الظاهر منها أنّ النظر في السؤال إنّما هو من حيث الاستقبال لا أصل الصلاة على الدابة ، فكأنّه سأل عن أنّ الصلاة على الدابة إلى غير القبلة التي هي مشروعة في السفر هل هي كذلك في المصر والحضر فأجاب عليهالسلام باشتراكهما في الحكم ، سيما بعد ملاحظة تعذر الاستقبال في الحضر حال السير غالباً ، لاشتمال البلد على الأزقّة والطرق الضيقة فتنحرف الدابة عن القبلة لا محالة.
ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : « أنه سأل أبا عبد الله ( عليهالسلام )
__________________
(١) في صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران المتقدمة في ص ٢٤.
(٢) في صحيحة الحلبي المتقدمة في ص ٢٣.
(٣) لا يبعد القول بأنّ الأمر واقع موقع توهّم الحظر ، ومثله لا يدلّ على الوجوب.
(٤) الوسائل ٤ : ٣٢٠ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٢.
(٥) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٩٠.
(٦) الوسائل ٤ : ٣٣٠ / أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٠.