في محلّه أن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة في مقام الإثبات ، والتضاد في مقام الثبوت وتمام الكلام في محلّه (١).
الجهة الثالثة : لا يخفى أنّ التخصيص بالمتصل كالاستثناء ونحوه يصادم ظهور العام ، فلا ينعقد الظهور من أول الأمر إلا في غير الخاص وأنّ المراد الاستعمالي هو ذلك. وهذا بخلاف التخصيص بالمنفصل ، فإنّه لا يصادم الظهور إذ هو قد انعقد ووقع ، والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، بعد أن لم يكن الكلام محفوفاً بما يصلح للقرينية ، إلا أنّه مصادم لحجيته ، بمعنى أنّه كاشف عن تضييق دائرة المراد الجدي واختصاصه بغير مورد التخصيص. فقوله : لا يجب إكرام العالم الفاسق ، الوارد بعد قوله : أكرم العلماء. يكشف عن تقيّد موضوع الوجوب في العموم بحسب الواقع والإرادة الجدّية بغير الفاسق ، وأنّه معنون بهذا العنوان لا محالة ، لما عرفت في المقدمة الثانية من أنّ موضوع الحكم في مقام الثبوت لا مناص عن كونه مطلقاً أو مقيداً بقيد وجودي أو عدمي ولا يعقل فيه الإهمال ، وبعد ورود التخصيص يقطع بعدم مطابقة المراد الاستعمالي مع المراد الجدي وأنّ العموم غير مراد واقعاً. فلا مناص من تقيّد موضوع الحكم وتعنونه بالعالم الذي لا يكون فاسقاً.
ومن الغريب غفلة بعض الأساطين قدسسره عن ذلك وزعمه أنّ حال التخصيص بالمنفصل حال موت بعض الأفراد ، فكما أنّ موت الفرد خروج تكويني له عن تحت العام فيختص الحكم لا محالة بما عداه ، من دون تعنون العام بذلك ولا تقيّده بغيره ، فكذلك التخصيص خروج تشريعي للخاص عن تحت العموم من دون أن يتعنون العام ويتقيد بما عداه ، بل الحكم لا يشمل غير مورد التخصيص قهراً.
وأنت خبير بما في كلامه قدسسره من الخلط الواضح بين مقام الجعل ومقام الانطباق والفعلية ، فانّ الحكم في مقام الجعل يتعلق بالموضوع المقدّر
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٧٢ مبحث التعبّدي والتوصلي.