وجوده على سبيل القضية الحقيقية ، ولا يفرق الحال في ذلك بين كثرة الأفراد خارجاً وقلّتها ، بل حتى وإن لم يتحقق له فرد في الخارج أبداً ، لعدم تعرض الجعل لحال الوجود الخارجي بوجه ، ولذا قيل إنّ القضية الحقيقية مرجعها إلى قضية شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ترتب الحكم ، فمرجع قولنا : المستطيع يحج إلى قولنا : إذا وجد في الخارج مستطيع وجب عليه الحج. من دون نظر في ذلك إلى الوجود فعلاً وعدمه ، وإنّما يؤثر الوجود والعدم أو كثرة الأفراد وقلّتها في مقام الفعلية والانطباق ، فيتحقق الحكم الفعلي بتبع وجود موضوعه الخارجي ويتعدد بتعدده ، فمهما وجد فرد يتعلّق به بمقتضى الانحلالية الملحوظة في مقام الجعل حكم ويكون مراعى بوجود ذلك الفرد حدوثاً وبقاءً ، فيوجد بوجوده وينعدم بانعدامه.
وعليه فموت فرد من مصاديق العام في مثل قولنا : أكرم كلّ عالم ، لا يوجب إلا تقليل أفراده في مقام التطبيق وفعلية الحكم ، فكانوا مثلاً قبل ذلك مائة فصار عددهم بعد ذلك تسعة وتسعين ، من دون أن يؤثر تضيقاً في دائرة الجعل وتصرّفاً في نفس الحكم المجعول ، بل هو قبل الموت وبعده على حدّ سواء.
وهذا بخلاف التخصيص ، فإنّه من أجل كونه قرينة على المراد الجدي ناظر إلى مقام الجعل ، وكاشف عن تضيق دائرة الحكم المجعول ، وأنّ موضوعه لم يؤخذ على نحو الإطلاق والسريان ، وإن كان كذلك بحسب الإرادة الاستعمالية لكنّه بحسب الإرادة الجدية مقيّد بعنوان خاص وهو عدم كون العالم فاسقاً فيما إذا ورد التخصيص على العالم المزبور بمثل قوله : لا تكرم العالم الفاسق. فهو كاشف عن تعنون العالم وتقيده بعنوان عدمي ، لما عرفت (١) من عدم الواسطة بين الإطلاق والتقييد في مقام الثبوت ، واستحالة الإهمال في الواقعيات ، فاذا لم يكن الحكم مجعولاً على سبيل الإطلاق والسريان لمنافاته مع التخصيص بالضرورة فلا محالة يكون مقيداً بنقيض عنوان الخاص ، من دون فرق في
__________________
(١) في ص ٢٥٩.