وبالجملة : فهذان بحثان مستقلان. ومن هنا ذكرهما الفقهاء في مقامين فذكروا الاستقبال في باب الشرائط ، والالتفات في باب القواطع. ومحلّ الكلام هنا إنّما هو الأوّل ، وأمّا الصحيحة فهي ناظرة إلى المقام الثاني كما يرشد اليه قوله عليهالسلام : « ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد ... » إلخ ، والاستشهاد بالآية إنّما هو لهذه الغاية ، ولا نضايق من اختصاص ذلك بالفريضة عملاً بهذه الصحيحة ، فنلتزم بعدم قاطعية الالتفات أثناء النافلة ما لم يخلّ برعاية الاستقبال في نفس الأجزاء. وأمّا أصل اعتبار الاستقبال في الصلاة الذي هو محلّ الكلام في المقام كما عرفت فالصحيحة غير متعرضة لذلك رأساً ، ولا نظر فيها إلى إطلاقه أو تقييده ، فالاستدلال بها ناشٍ من الخلط بين المقامين كما لا يخفى.
وثانياً : أنّ الاستدلال بها يتوقف على الالتزام بمفهوم الوصف كي يدل التقييد بالفريضة على انتفاء الحكم عن النافلة ، وهو ممنوع. نعم ، ذكرنا في محلّه في الأُصول ثبوت المفهوم للوصف لكن في الجملة (١) دون المفهوم الاصطلاحي الدال على الانتفاء عند الانتفاء كما في الجملة الشرطية.
وملخص ما قلناه : أن غاية ما يستفاد من التقييد بالوصف عدم ثبوت الحكم للطبيعة المهملة أينما سرت ، وإلا كان التقييد به من اللغو الظاهر ، فاذا ورد : أكرم الرجل العادل. دلّ التقييد على عدم كون الرجل بإطلاقه موضوعاً للحكم بحيث لو ورد في دليل آخر وجوب إكرام الرجل مطلقاً كان معارضاً لهذا الدليل ، لكنه لا يدل على انتفاء الحكم عن حصة أُخرى من الطبيعة كالهاشمي مثلاً وإن لم يكن عادلاً ، فلا معارضة بينه وبين قوله : أكرم الهاشمي وإن كان فاسقاً. كما كانت المعارضة لو صدرت الجملة السابقة على صورة القضية الشرطية ، كأن يقول : أكرم الرجل إن كان عادلاً ، بدل قوله : أكرم الرجل العادل.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.