منعزل عن الآخر وإن أُنشئ الكلّ بلسان واحد ، فحينئذ لو شككنا في فرديّة فرد للطبيعة وانطباقها عليه فلا شبهة أنّ المرجع أصالة البراءة ، وذلك لما تكرّر غير مرة من إناطة فعليّة التكليف وتنجّزه بوصوله كبرى وصغرى ، فلا يكفي مجرد وصول الكبرى ما لم يحرز انطباقها على الصغرى. فالشك في الانطباق مساوق للشك في تعلّق التكليف.
وبعبارة اخرى : لا بدّ من انطباق عنوان متعلّق التكليف وتحققه في مرتبة سابقة على الحكم به. إذن فالشك في عالميّة زيد مثلاً شك في مصداقية إكرامه (١) لطبيعي إكرام العالم ، ومعه يشك طبعاً في تعلّق الوجوب فيرجع إلى أصالة البراءة ، هذا.
ولكنّ المحقق النائيني قدسسره (٢) علّل جريان البراءة بوجه آخر ، وهو ما أشار إليه في غير مورد من اشتراط فعليّة التكليف بوجود موضوعه خارجاً على ما هو الشأن في كافة القضايا الحقيقية ، فإنّ مرجع قولنا مثلاً لا تشرب الخمر ، إلى قضية شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت الحرمة له ، فكأنّه قيل : إذا وجد شيء في الخارج وصدق عليه الخمر فلا تشربه.
وعليه فالشك في وجود الموضوع شك في وجود شرط فعليّة التكليف ، وبما أنّ الشك في الشرط شك في المشروط فهو مساوق للشك في أصل التكليف فيرجع إلى البراءة.
وما أفاده قدسسره وإن كان وجيهاً في الجملة ، ولكنّه لا يستقيم على إطلاقه ، وتوضيحه : أنّ متعلّق المتعلّق الذي نعبّر عنه بالموضوع تارة يكون خارجاً عن اختيار المكلف كالزوال بالنسبة إلى صلاة النهار ، والهلال بالإضافة إلى صيام رمضان ، وهكذا ، وفي مثله لا مناص من أخذ الموضوع مفروض الوجود ، لامتناع تعلق التكليف بإيجاده أو إعدامه بعد خروجه عن حيّز
__________________
(١) [ الموجود في الأصل : مصداقيته. ولعل الصحيح ما أثبتناه ].
(٢) رسالة الصلاة في المشكوك : ١٩٧ ١٩٨.