يقاس ذلك بمثل لا صلاة إلا إلى القبلة ، أو بطهور ، أو بفاتحة الكتاب ، ونحوه مما لا يكون بلسان النهي. وإنّما هو إرشاد بحت ، فانّ العبرة ثمة بالواقع لا بالواصل ، وبذلك يفترق أحدهما عن الآخر.
وفيه أولاً : أنّ دليل المانعية في المقام غير منحصر فيما ذكر ، بل العمدة موثقة ابن بكير ، والمانعية فيها غير مستفادة من النهي ، بل من التصريح بالفساد حيث قال عليهالسلام : « إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله ... فاسد » وهكذا في ذيلها. فعلى تقدير تسليم الكبرى فالصغرى ممنوعة في المقام.
وثانياً : مع الغض عن هذه الموثقة وتسليم انحصار الدليل بما تضمّن النهي فما ذكره من اعتبار الوصول إنّما يتجه في النواهي أو الأوامر المولوية النفسية الحاوية للتكاليف الاستقلالية ، والصالحة للبعث أو الزجر ، دون مثل المقام مما هو إرشاد إلى المانعية أو أحد أخويها ، الذي هو بمثابة الإخبار عن أمر واقعي وهو الدخل في المأمور به وجوداً أو عدماً ، علم به المكلّف أو لا ، ضرورة أنّ مثله لا يتضمن بعثاً أو زجراً ليتوهم إناطتها به.
وما قرع سمعك من انتزاع المانعية أو الشرطية من التكليف فلا يراد به هذا النهي المتعلّق بذات المانع ، بل المراد الانتزاع من تقيّد التكليف المتعلق بالمركب بالقيد العدمي أو الوجودي كما لا يخفى.
وثالثاً : لا نسلّم اعتبار الوصول في الفعلية حتى في التكاليف النفسية إلا إذا لوحظ العلم جزءاً من الموضوع ، وإلا ففعليتها بفعلية موضوعاتها ، علم بها المكلف أم لا ، فمتى كان الموضوع فعلياً أصبح الحكم فعلياً أيضاً بتبعه ، بل لا يمكن تخلّفه عنه ، فإنّه كتخلّف المعلول عن علته.
نعم ، تنجّزه منوط بالوصول ، وبدونه يكون معذوراً ، فلا تنجّز مع الجهل لا أنّه لا فعلية. ومن ثم يكون الاحتياط وقتئذ حسناً ، لما فيه من المحافظة على الواقع ، إمّا لزوماً كما في موارد العلم الإجمالي ، أو استحباباً كما في الشبهات البدوية ، فإنّه لولا الفعلية لم يكن ثمة واقع لتحسن المحافظة عليه. فالخلط بين الفعلية والتنجّز أوجب الوقوع في الاشتباه.