الملازمة بين هذين النوعين من النظر ، فقد يلتذ الإنسان من النظر إلى وجه ولده الجميل من دون أن يخطر بباله انبعاث هذه اللذة عن الشهوة والغريزة الجنسية ، وكذا غير ولده من الأمثلة المتقدمة ، فهذا التفكيك متحقق حتى في النظر إلى المرأة الجميلة الأجنبية كما هو ظاهر. ففصّل الإمام عليهالسلام في الجواب بين هذين النوعين ، وخصّ الجواز بالنوع الأوّل الذي عبّر عليهالسلام عنه بقوله : « إذا عرف الله من نيتك الصدق ».
ويؤيّده قوله عليهالسلام بعد ذلك : « وإيّاك والزنا » فانّ التحذير عن الوقوع في الزنا قرينة قطعية على أنّ المراد من النظر المنفي عنه البأس ما كان من النوع الأوّل المأمون عن الزنا ، دون الثاني الذي هو معرض للافتتان ويؤدي إلى الزنا غالباً.
وقد تحصّل من جميع ما تلوناه عليك لحدّ الآن أن مقتضى الصناعة بالنظر إلى أدلّة الباب نفسها بعد ضمّ بعضها إلى بعض والتدبّر فيما يقتضيه الجمع بين الأدلّة هو اختيار القول بالجواز ، كما ذهب اليه شيخنا الأنصاري قدسسره مصرّاً عليه.
لكن مع ذلك كلّه في النفس منه شيء ، والجزم به مشكل جدّاً ، ولا مناص من الاحتياط الوجوبي في المقام كما فعله الماتن قدسسره ونعم ما صنع وذلك لما ثبت من تتبع الآثار واستقصاء الموارد المتفرقة من الأخبار اهتمام الشارع الأقدس بشأن الأعراض اهتماماً بليغاً ، بحيث يعلم من مذاقه التضييق فيما دون النظر فضلاً عنه ، والتشديد في ناموس المسلمين بالنهي عما يخالفه تحريماً أو تنزيهاً ، كما يفصح عنه نهيه عن خروجهنّ للجمعة والجماعات (١) على ما هي عليه من الفضل والمثوبات ، وكذا النهي عن حضورهن لتشييع الجنائز (٢) والمنع عن اختلاطهن مع الرجال في الأسواق ، الوارد في نهي علي ( عليه
__________________
(١) منها ما في الوسائل ٧ : ٣٤٠ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٢ ح ١ ، ٨ : ٣٣٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٤.
(٢) الوسائل ٣ : ٢٣٩ / أبواب الدفن ب ٦٩ ح ٣ ، ٤ ، ٥.