يكون مرجعه إلى ما قرّرناه.
وأمّا المقدّمة الثانية فمع مخالفتها ظهور اللفظ عرفا في الوجوب كما هو التحقيق ، أو الصيغة الدالّة عليه كما زعمه جماعة ، فلا يصار إليها إلاّ مع دلالة معتبرة منتفية في المقام ، يدفعها : قيام قرينة قاضية بإرادة الوجوب خاصّة كصدر الرواية وسياقها والتوبيخ المستفاد منها.
وقضيّة ذلك حمل قوله صلىاللهعليهوآله : « فأتوا » على الوجوب دفعا للتنافي حسبما أشرنا إليه ، فلا وجه لما أورده بعض الفضلاء على جوابهم عن الاستدلال بمنع الردّ إلى مشيّتنا بل إلى استطاعتنا فيفيد الوجوب ، من أنّ الردّ إلى استطاعتنا لا دلالة له على كون « الأمر » للوجوب إلاّ إذا ثبت أنّ قوله صلىاللهعليهوآله : « فأتوا » للوجوب وهو يفضي إلى الدور ، بل الصواب أن يقال : فلا يفيد الندب.
وأمّا الثالثة : فمع أنّها مفضية إلى الدور (١) كما يظهر بأدنى تأمّل ، يدفعها : ما أشرنا إليه في دفع المقدّمة الثانية ، ومع الغضّ عن ذلك فهو ظاهر في الإرشاد بناء على ما يشهد به السياق ، فيراد به بيان المصلحة الواقعيّة بالمعنى العامّ المتناول كلاّ من ما في الوجوب والندب ، فأيّ شيء خصّته بالثاني دون الأوّل ، فقضيّة ذلك خروج الرواية غير واضحة الدلالة على ما رامه المستدلّ ، فتسقط به عن صلوح الدليليّة ، مع أنّه لو دلّ على التعليق على المشيّة لكان أظهر في إرادة الإباحة منه ، القاضية بالتسوية بين طرفي الفعل والترك كما لا يخفى على المتدرّب.
فقضيّة ذلك كون الأوامر مرادا منها الإباحة وهو خلاف مطلوبكم.
وأمّا الرابعة : ففيها منع واضح ، لعدم ترجيح لأحد هذين الاحتمالين على ما يقابلهما ، على أنّ لفظة « ما » كما يحتمل كونها مصدريّة فكذلك يحتمل كونها موصولة أو موصوفة ، وأنّ النكرة كما يحتمل كونها كلاّ له أجزاء فكذلك يحتمل كونها كليّا له أفراد ، أو الأعمّ منهما من دون رجحان لما هو مناط الاستدلال على ما ينافيه ، وقضيّة ذلك ـ بعد الغضّ عمّا ذكر في منع المقدّمات السابقة ـ خروج الرواية مجملة.
وأمّا الخامسة : فيبطلها ظهور « الاستطاعة » عرفا ولغة في القدرة فلا يصار إلى خلافها إلاّ بدلالة واضحة ، وهي إن لم نقل بكونها بملاحظة ما قرّرناه في إبطال المقدّمات السابقة في جانبها ، فلا أقلّ من عدم كونها في جانب خلافها.
__________________
(١) وجهه : أنّ هذا الأمر لا يكون للندب إلاّ على تقدير كون مطلق الأمر للندب ، فلو توقّف ذلك على كون ذلك للندب كما هو مناط الاستدلال لزم الدور. ( منه ).