وثانيهما : أنّ أهل اللغة قالوا : لا فرق بين السؤال والأمر إلاّ بالرتبة * ؛ فانّ رتبة الآمر أعلى من رتبة السائل ؛ والسؤال إنّما يدلّ على الندب ؛ فكذلك الأمر ، إذ لو دلّ الأمر على الايجاب لكان بينهما فرق آخر. وهو خلاف ما نقلوه.
وأجيب : أنّ القائل بكون الأمر للايجاب ، يقول : إنّ السؤال يدلّ عليه أيضا ** ؛ لأنّ صيغة « إفعل » عنده موضوعة لطلب الفعل مع المنع من
__________________
يكن ظاهرا في خلافه.
* ولا يخفى أنّ ذلك احتجاج بما كان مدلولا التزاميّا لنقل أهل اللغة إن كان ثابتا عنهم ، لابتنائه على مفهوم الحصر المستفاد من قولهم بطريق الدلالة الالتزاميّة.
والظاهر أنّ مثل ذلك معتبر عندهم في إثبات المطالب اللغويّة ، بل هو المصرّح به في كلام الفحول حيث عدّوا من الأمارات ما كان إحدى مقدّمتيه ثابتا بطريق النقل والاخرى بطريق العقل ، كما ذكروه لإثبات العموم في الجمع المعرّف باللام ، فلا يناقش في ذلك بأنّه احتجاج بطريق العقل الّذي لا مدخل له في اللغات ، ولا بأنّه مبنيّ على القياس الّذي لا أثر له في باب الألفاظ.
** ولا يخفى أنّ ذلك الجواب مبناه على تسليم أصل النقل من أهل اللغة ، والظاهر أنّه في مقابلة احتجاج الخصم يشبه المصادرة بالمطلوب ، فإنّ دلالة السؤال على الإيجاب أوّل المسألة ، ومجرّد كونها ممّا يقول به القائل بأنّ « الأمر » للوجوب لا ينهض دليلا على بطلان قول الخصم ، ولا سيّما مع نقل أهل اللغة أنّ السؤال لا يدلّ إلاّ على الندب كما تضمّنه الدليل.
اللهمّ إلاّ أن يقال : بأنّ هذه المقدّمة من مضافات المستدلّ فلم تكن ممّا صرّح بها أهل اللغة حتّى تنهض دليلا على ردّ الجواب ، فيكون مرجعه حينئذ إلى المعارضة بالمثل.
فمحصّله على هذا التقدير : أنّ النقل المذكور من أهل اللغة غير مناف للقول بالوجوب ، لابتنائه على أن يكون السؤال للندب ، وهو وإن كان ممّا يدّعيه الخصم إلاّ أنّه ليس بأولى من قول خصمه بأنّه كالأمر للوجوب ، والمفروض عدم نهوض ما يكون دليلا على تلك الدعوى ، ومجرّد قول الخصم لا يصلح حجّة على معانده.
أو يقال : إنّه منع لبعض مقدّمات الدليل ، فيؤول إلى أنّ الجزء الثاني ممّا نقله أهل اللغة محجوج عليه بما يقضي بكون السؤال للوجوب ، الملازم لكون « الأمر » له أيضا كما يقول