وعن الرابع : أنّه نفى دلالتها عليه في مواضع ، وفي التمهيد جعله أصرح.
وعن الخامس : أنّه نظر في الحمل عليه ، هذا على ما في كلام بعض الأعاظم.
قال بعض الأفاضل عن جماعة من الأصحاب : المنع من دلالتها على ذلك ، نظرا إلى كونها موضوعة للإخبار وقد تعذّر حملها عليه فتعيّن استعمالها في الإنشاء مجازا ، وكما يصحّ استعمالها في إنشاء الوجوب فكذلك يصحّ استعمالها في إنشاء الندب أو مطلق الطلب ، فإذا تعذّرت الحقيقة وتعدّدت المجازات لزم الوقف بينها.
وقضيّة ذلك ثبوت المعنى المشترك وهو مطلق الرجحان ، والثابت به هو الاستحباب بعد ضمّ الأصل إليه ، فلا يصحّ الاستناد إليها في إثبات الوجوب إلاّ بعد قيام قرينة دالّة عليه ، هذا فيما يجري فيه أصل البراءة.
وأمّا إذا كان ذلك في مقام جريان أصل الاحتياط فلابدّ من البناء على الوجوب انتهى.
وربّما يقال ـ في مثل « المؤمنون عند شروطهم » و « المؤمن إذا وعد وفى » ـ بأنّ الداعي إلى صرفها عن الحقيقة والباعث على حملها على الإنشاء إنّما هو صون كلام الحكيم عن الكذب ومخالفة الإجماع ، فإنّ المراد به إمّا أنّ المؤمن إذا وعد وفى بوعده ولا يتخلّف عنه أبدا ، أو أنّه هو الّذي إذا وعد وفى فالذي لا يفي فليس بمؤمن ، ولا سبيل إلى الأوّل لاستلزامه الكذب ولا إلى الثاني للإجماع على أنّ الوفاء بالوعد ليس من شرائط الإيمان ، فتعيّن الحمل حينئذ على الإنشاء ، وهو أنّ المؤمن إذا وعد يجب عليه الوفاء.
ويشكل أنّ المحذورين إنّما يلزمان إذا اريد من القضيّة الضروريّة أو الدائمة ، ومن الاشتراط بيان شرط الإيمان.
وأمّا لو اريد بها المطلقة العامّة ـ ولا سيّما في المثال المذكور من حيث اشتماله على أداة الإهمال ـ ومن الاشتراط شرط الكمال فلا ، كما لا يخفى.
فالأولى إيكال الوجه في كلّ مثال إلى قرائن المقام ونحوها ، ولو إجماعا على عدم إرادة الحقيقة.
وتحقيق القول في ذلك : أنّها بعد تعذّر الحقيقة تحمل على الوجوب مطلقا إلى أن يتبيّن من الخارج خلافه ، لا لما قيل من أنّها إذن مستعملة في الطلب الّذي هو ظاهر مع الإطلاق في الوجوب منصرف إليه ، لمنع الظهور ، بل لقربه إلى المعنى الحقيقي عرفا واعتبارا ، فإنّ لزوم الوقف إنّما يتوجّه عند تكافؤ الاحتمالين أو الاحتمالات مع فقد المرجّحات الخارجة.