ولا ريب أنّ المنساق منها في الصورة المفروضة في العرف والعادة هو الطلب الحتمي ، كما أنّه المنساق عن الهيئات الإنشائيّة.
ألا ترى أنّ « الأسد » في قول القائل : « رأيت أسدا في الحمّام » لا يحمل إلاّ على الرجل الشجاع مع احتمال الأبخر والصورة المنقوشة من المعنى الحقيقي حينئذ في الجدار ، والظاهر هو الحجّة في أمثال المقام ، مضافا إلى أنّه ممّا استقرّ عليه طريقة العرف والعقلاء ، فلذا ترى العبد أنّه لو بادر إلى ترك الامتثال فيما لو قال له السيّد : « يا عبدي تروح إلى السوق وتشتري اللحم » أو « تركب وتأتي من البستان بالفاكهة » ونحو ذلك لأطبق العقلاء على ذمّه ، وصحّ من المولى عقابه من دون أن يكون له عند ذلك عذر.
ويؤيّده كونه أقرب إلى الحقيقة اعتبارا من حيث إنّ الجملة الخبريّة للثبوت إن كانت اسميّة ، والوقوع إن كانت فعليّة ولو في آن الاستقبال ، والوجوب في الإنشاءات أقرب إلى الثبوت والوقوع لما في الندب من الرخصة في الترك الباعثة غالبا أو كثيرا على عدم الثبوت والوقوع ، وقاعدة الوقف إنّما يعمل بها إذا لم يكن هناك قرب ، أو كان اعتبارا فقط نظرا إلى أنّه لا عبرة بالاعتبارات في باب اللغات أصلا ما لم يكتنفها ظهور عرفي.
ومن هنا يتّضح عدم صلوحه للمعارضة إذا وجد في طرف المقابل لما وجد فيه القرب العرفي من الطرف الآخر.
وبذلك ينقدح ضعف الاحتجاج : بأنّ الوجوب أقرب إلى الثبوت الّذي هو مدلول الإخبار ، وإذا تعذّرت الحقيقة قدّم أقرب المجازات ، كضعف ما قيل من النكتة الباعثة على إيثارها في مقام إنشاء الطلب على « الأمر » من أنّ دلالتها على الاهتمام بالطلب آكد من دلالة « الأمر » عليه.
وعن علماء المعاني أنّ البلغاء يقيمونها مقام الإنشاء ليحملوا المخاطب بآكد وجه على أداء مطلوبهم ، كما إذا قلت ـ لصاحبك الّذي لا يريد تكذيبك ـ : « تأتيني غدا » لتحمل على الالتزام بالإتيان لئلاّ يوهم تركه له تكذيبك فيما ذكرت حيث أتيت بصورة الإخبار ، فإنّها غير مطّردة ، ولو سلّم فجريانها في الخطابات الشرعيّة متّضح المنع ، على أنّها بمجرّدها لا توجب ظهورا وبدونه لا تعويل.
ومن جميع ما قرّر يظهر الكلام في الجمل الخبريّة السلبيّة ، فإنّها بعد تعذّر الحقيقة ظاهرة في التحريم ، فيجب البناء عليه إلى أن يتبيّن من الخارج ما يقضي بخلافه.
* * *