وإنّما أفردوا تلك المذكورات بالخلاف دون سائر القرائن ـ حاليّة ومقاليّة ، مع أنّ وقوع التعارض بينهما وبين ظاهر اللفظ باعتبار الوضع من لوازم الكلّ ـ لانضباطها وما فيها من الجهة الكلّيّة دون غيرها ، لكونها امورا جزئيّة غير منضبطة فلا تقع مبحوثا عنها في شأن أهل النظر ، كذا قيل.
ثمّ إنّهم صرّحوا بعدم الفرق بين كون الحظر متيقّنا أو مظنونا أو مشكوكا فيه أو موهوما ، وإلى ذلك يشير ما في المنية من التعبير عن العنوان « بالأمر الوارد عقيب الحظر أو الإستئذان ».
فعلى هذا يكون جميع الأوامر الواردة في معرض السؤال ـ محقّقا أو مقدّرا ـ عمّا يرجع إلى جواز التصرّفات بجميع أنحائها أكلا وشربا واستعمالا ونحوها من هذا الباب ، فيدخل فيه حينئذ قول السائل : « الماء يمرّ عليه الجيف والكلاب فهل أشرب منه وأتوضّأ؟ فقال : إذا تغيّر الماء فلا تشرب منه ولا تتوضّأ ، وإذا لم يتغيّر فاشرب منه وتوضّأ » (١) كما أنّ ظاهرهم ـ بل صريحهم ـ أنّ المراد بالحظر هو الشرعي ، فالحظر العقلي ليس بداخل في النزاع كما يساعد عليه ـ بل يصرّح به ـ استدلال أصحاب القول بإفادة الوجوب بأنّه لا كلام عند القائل بكونها للوجوب أنّ ورودها [ عقيب ] الحظر العقلي لا ينافي حملها على الوجوب ، ولذا يحمل أوامر العبادات على الوجوب إلى أن يتبيّن المخرج عنه ، مع أنّها قبل « الأمر » كانت محرّمة من جهة البدعة ، فيكون الحال كذلك في الحظر الشرعي ، ولا يخفى أنّ ذلك يقتضي كون الحمل على الوجوب عند الحظر العقلي متّفقا عليه بين الفريقين.
وهل المراد به النهي النفسي أو أعمّ منه ومن النهي الغيري؟ ظاهرهم على ما يستفاد عن الأمثلة المذكورة في الباب هو الأوّل ، كما استظهره بعض الفضلاء عن كلامهم نافيا لبعد إلحاقه به ، بمعنى أنّه وإن كان خارجا عن مقصودهم إلاّ أنّه يلحق به نظرا إلى وحدة المناط.
ويمكن استفاد [ ة ] التعميم عن استدلالهم بقول المولى لعبده : « اخرج من المحبس إلى المكتب » بعد النهي عنه ، التفاتا إلى احتمالي كون الخروج عن المحبس محظورا لنفسه أو لغيره باعتبار كونه مقدّمة لمحظور آخر. فليتأمّل.
ولا ريب أنّ ظاهره النهي التحريمي أخذا بما هو حقيقة لفظ « الحظر » كما تنبّه عليه الفاضل المشار إليه ، إلاّ أنّه حكم بإلحاق النهي التنزيهي به أيضا في الحكم كما صرّح به أخوه في الهداية ، ومثله في كلام بعض الأعاظم أيضا.
__________________
(١) الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الماء المطلق ، ح ٤ ( مع اختلاف يسير في العبارة ).